للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز الحلف بالله عند الحاجة]

الأمور التي يطلب فيها تأكيد الخبر، ولا تجلب منفعة للحالف لا بأس أن يحلف عليها، مثلاً: إذا توجهت إليه اليمين في قضية ما، وطلب منه الحلف، فلا يمتنع من الحلف وهو يعلم أنه صادق؛ لأن الله جل وعلا أمر نبيه أن يقسم فقال: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:٧]، فأمره الله جل وعلا أن يقسم بالله جل وعلا على الشيء الذي يعلمه حقاً، وقال: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس:٥٣]، وهذا حلف، فأمره الله جل وعلا أن يحلف على ذلك.

فإذا علم الإنسان الحق وهو صادق في ذلك فلا بأس بالحلف، ولا يتورع من ذلك ويمتنع ويقول: لا أحلف، لأني أخشى أن أقع في الإثم، لا، فإن الممنوع في مثل هذه الأمور أن يحلف ليجلب مصلحة دنيوية له؛ كجلب ربح أو كسب في أمور الدنيا، فهذا لا يصح.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (أخرجاه) أي: البخاري ومسلم، وأخرجه أبو داود والنسائي.

والمعنى: أنه إذا حلف على سلعته أنه أعطي فيها كذا وكذا، أو أنه اشتراها بكذا وكذا، وقد يظنه المشتري صادقاً فيما يحكي مما حلف عليه، فيأخذها بزيادة على قيمتها، والبائع كذب وحلف طمعاً في الزيادة، فيكون قد عصى الله تعالى، فيعاقب بمحق البركة، فإذا ذهبت بركة كسبه دخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة التي دخلت عليه بسبب حلفه، وربما ذهب ثمن تلك السلعة رأساً، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي فعاقبتها اضمحلال وذهاب وعقاب].

الحقيقة أن الحديث أعم من ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (الحلف منفقة للسلعة)، ولم يقل: الحلف الكاذب منفقة للسلعة، بل الحلف مطلقاً، فدل ذلك على أنه ينبغي الامتناع عن الحلف في البيع والشراء مطلقاً.

والمفترض أن الإنسان إذا حلف أن يكون صادقاً، أما إذا كان كاذباً فهي اليمين الغموس التي ليس فيها كفارة، وهي أعظم من أن تكفر، ولكن المقصود الحلف مطلقاً، وهذا هو ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.