للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

قال الشارح رحمه الله: [وذلك لكثرة علم التابعين، وقوة إيمانهم، ومعرفتهم بربهم، وقيامهم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه من أفضل الجهاد، ولا يقوم الدين إلا به، وفي هذا رغبة في تمرين الصغار على طاعة ربهم، ونهيهم عما يضرهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم].

يعني: أن الأمر بالمعروف يكون من أفضل الجهاد، والجهاد المقصود به بذل الجهد في طاعة الله وفي أن يطيع الناس ربهم، ويتابعوا دينهم، هذا هو الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من هذا الباب، فيأمر الإنسان بالخير وبالإسلام وبالحق وبالهدى ويبذله للناس ويرشدهم إليه، وينهى عن ضد ذلك، ويبين لهم بالطرق المناسبة والأساليب اللائقة التي يمكن أن تقبل وأن تؤثر، فهذا من أفضل الجهاد، وقد عده بعض العلماء من أركان الإسلام، فجعلوا أركان الإسلام ستة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية (ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) فبين أن هذا أمر واجب متعين على كل واحد، وهذا مأخوذ من قوله: (من رأى منكم منكراً) و (من) هذه للعموم والشمول، وكذلك الأحاديث الأخرى التي بينت هذا.

فلا شك في وجوب الأمر بالمعروف على الأمة الأسلامية ولكن هذا من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط عن البقية، وإلا أثم الجميع، وهذا في الأمور الظاهرة التي ترى وتشاهد، أما الأمور الخفية فيلزم إنكارها على من علمها، والأمور التي تكون في البيوت المسئول عنها قيم البيت، وهو الذي يسأل يوم القيامة، ولهذا جاء في الحديث: (أن الإنسان يتعلق بالآخر يوم القيامة، ويقول: يا رب! خذ بحقي من هذا، فيقول المتعلق به: يا رب! والله ما ظلمته، لا في مال، ولا في عرض، فيقول المتعلق: صدق ولكنه رآني على منكر فلم ينهني، فخذ لي بحقي منه) فالواجب على المسلم أن يسقط الواجب عنه اليوم قبل أن يسأله الله جل وعلا يوم القيامة، فيؤخذ من حسناته أو يؤخذ من سيئات غيره فتوضع عليه، ثم بعد ذلك يلقى في النار؛ لأن الأمة الإسلامية مثلها كمثل الرجل الواحد إذا مرض جزء منه أو عضو منه مرض الرجل كله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

فيجب على الأمة الإسلامية أن تكون قائمة على الحق، متعاونة على البر والتقوى، متناصحة فيما بينها، حتى لا تكون مسئولة أمام الله جل وعلا، وهذا أمر أوجبه الله علينا ولم يوجبه أحد من الخلق، ولهذا قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠] الخيرية هنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فليسوا خير أمة.