للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نقض العهد ذنب عظيم]

قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:٩١]].

معنى الآية: أن الله جل وعلا أمرنا إذا أعطينا غيرنا عهد الله أننا لا نفعل كذا أو أننا نفعل كذا فإنه يجب الوفاء بهذا العهد، وإن كان الذي أعطيناه العهد كافراً فيجب أن يوفى له بذلك.

ثم نهى عن نقض هذا العهد، فقال: {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} وقد أكدت بذكر الله؛ لأنه يقول: لك عهد الله عليّ، أو لك يمين الله عليّ أنه ما يحصل كذا أو يحصل كذا، {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} يعني: جعلتم الله عليكم رقيباً وشاهداً فيما فعلتم، وقلتم: إن الله جل وعلا هو الكفيل، يعني: الذي يأخذ لكم الحق إذا خانوكم، ومن قال ذلك وجب عليه أن يحذر المخالفة؛ فإنه إن خالف فهو على خطر عظيم.

قال الشارح رحمه الله: [قال العماد ابن كثير: وهذا مما يأمر الله تعالى به وهو الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة.

ولهذا قال: ((وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)) ولا تعارض بين هذا وقوله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:٢٢٤] وبين قوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:٨٩] أي: لا تتركوها بلا تكفير، وبين قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (إني والله! إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها -وفي رواية- وكفرت عن يميني) لا تعارض بين هذا كله وبين الآية المذكورة هنا وهي قوله: {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}؛ لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق، لا الأيمان الواردة على حث أو منع، ولهذا قال مجاهد في هذه الآية: يعني: الحِلف أي: حِلف الجاهلية.

ويؤيده ما رواه الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) وكذا رواه مسلم، ومعناه: أن الإسلام لا يُحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:٩١] تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها] يعني: أن هذه الآية لا تعارض قوله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}.