للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب انقطاع الهجرة في هذا الزمن]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (فإن أبوا أن يتحولوا) يعني: أن من أسلم ولم يهاجر ولم يجاهد لا يُعطى من الخمس ولا من الفيء شيئاً، وقد أخذ الشافعي رحمه الله بالحديث في الأعراب، فلم يرَ لهم من الفيء شيئاً، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم فترد على فقرائهم].

هذا من الأحكام التي تركت، ولم يعد يُعمل بها؛ لأن المسلمين تركوا الجهاد في سبيل الله، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أنه يوشك أن تتداعى علينا الأمم من أقطار الأرض فقالوا: يا رسول الله! أمن قلة نحن؟ قال: (لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل) وغثاء السيل لا خير فيه، فالسيل إذا جاء يأخذ معه الشيء الذي لا خير فيه ويرميه على الجانب، هذا هو الذي يسمى غثاء السيل (ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله من قلوب أعدائكم المهابة) يعني: لم يعودوا يهابونكم ولا يرهبونكم، (ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، ويقول في حديث آخر: (إذا اتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من قلوبكم حتى تراجعوا دينكم) هذا هو الذل الذي يُقذف في القلب بسبب حب الدنيا وكراهة الموت، فإذا كان الإنسان يحب الدنيا ويكره الموت فلا يمكن أن يجاهد؛ لأنه يخشى أن يقتل فيترك الدنيا التي يحبها، فالموت مكروه عنده، ويصبح نظير الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء أخبر الله جل وعلا عن حالهم السيئة إذا تركوا الجهاد، بل أصبح الناس الآن إخواناً لا فرق بين ملحد ومؤمن وكافر وتقي إلا عند من شاء الله، ولهذا السبب صار هناك من الناس من دعاه هذا الأمر إلى التطرف وإلى رد الفعل فجاء بمنكر آخر لا يسوغه الإسلام، وهو أنه أصبح يكفر الناس بالعموم، ويقول: كل من مالأ الذين يحكمون بالقوانين ويتركون الشرع أو رضي بهذا الوضع فهو كافر، وهذا منكر من القول وزور، والذي يدعو إليه هو الجهل.

نسأل الله العافية.

المقصود: أنه لابد أن يقوم لدين الله من يقوم بإذن الله جل وعلا، ولكن هناك فترات -كما هو معروف- يحصل من الناس فيها جفاء للدين وفترات يحصل منهم إقبال على الدين، وإن من الجفاء أن يجفو الناس بأسرهم، ومن الإقبال أن يتفقهوا في دين الله ويرغبوا فيه بأسره، لكن أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن القتال سيبقى في هذه الأمة إلى قيام الساعة، وأنه سيكون في هذه الأمة من يقاتل الدجال، والدجال من المفسدين الذين يظهرون في آخر الزمان، وأول ما يظهر يدعو إلى الإصلاح ويزعم أنه مصلح وأنه جاء بالعدل، فيتبعه أكثر الناس، ولكن بعد ذلك يزعم أنه نبي، ثم بعد ذلك يزعم أنه الله رب العباد، فيُبتلى الناس به، فتكون فتن عظيمة، حتى إنه يأتيه الرجل فيقول له الدجال: إذا أحييت أباك وأمك وجئت بهما أمامك تؤمن بأني ربك، فيتمثل شيطانان أحدهما بصورة أمه والآخر بصورة أبيه، فيقولان: يا بني! أطعه فإنه ربك، ويقول للسماء: أمطري فتمطر، ويقول للأرض: أنبتي فتنبت، ويأتي القوم فيدعوهم إلى طاعته فإذا أطاعوه أُغدقت عليهم الدنيا، وكثرت أموالهم، ودرت عليهم الخيرات، ويأتي الآخرين ويردون دعوته.

فيفتقرون، والناس عند الافتتان بهذه الأمور قليل من يصبر، وقليل من يثبت، هذا في آخر الزمان؛ ونحن الآن لا شك أننا في آخر الزمان، ولكن لم تأت الآيات الكبيرة التي تكون الساعة قريبة منها؛ فإن من علامات الساعة ما هو كبير ومنها ما هو متوسط ومنها ما هو صغير، كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وموته، وقد قال الله جل وعلا: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصبعيه: السبابة والوسطى) والفرق بينهما يسير.

ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم نبي الساعة؛ لأنه ليس بعده نبي، وعلى أمته تقوم الساعة، والجهاد يبقى إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة آخر اليهود، حتى إن الحجارة تتكلم والشجر يتكلم.