للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستشفاع بالله على خلقه]

قال المصنف رحمه الله: [باب: لا يستشفع بالله على خلقه].

قوله رحمه الله تعالى: [باب: لا يستشفع بالله على أحد من خلقه] الاستشفاع: هو طلب الشفاعة، والله جل وعلا الملك الحق له الملك كله، وله الخلق كله ولا لأحد معه في سلطانه شركة، فلا يجوز أن يُجعل الله جل وعلا شفيعاً عند أحد من الخلق؛ فإن هذا ينافي تقدير الله وتعظيمه، وينافي تمام ملكه جل وعلا، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع من الأعرابي، كما سيأتي.

أما الاستشفاع بالخلق فمعناه: طلب شفاعته إذا كان حياً حاضراً، فيجوز أن يطلب منه الدعاء والاستشفاع في أمر من الأمور، بل قد يكون مستحباً إذا كان الإنسان ترجى إجابة دعوته، وهذا الذي كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبونه من الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، فإنهم كانوا يطلبون منه أن يشفع لهم بالدعاء، فكان يدعو لهم أن الله جل وعلا يعطيهم من الخير الدنيوي والأخروي.

أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلم يطلب منه أحد من الصحابة، ولهذا لما وقع المسلمون في الجدب الشديد في خلافة عمر رضي الله عنه وأراد أن يستسقي طلب من العباس أن يدعو، وهذا هو معنى الاستشفاع به، فخرج به لما صلوا الصلاة فقال: (يا عباس! قم فادع) فجعل العباس يدعو وهم يؤمنون على دعائه، وهذا معنى الاستسقاء به الذي ذكره العلماء، أي: بدعائه وطلبه ولو كان الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مشروعاً أو جائزاً لم يعدلوا عن ذلك إلى العباس رضي الله عنه، وإنما عدلوا إلى العباس؛ لأن هذا ممتنع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس رضي الله عنه هو أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فطلبوا دعاءه من أجل ذلك.

فالمقصود: أن الاستشفاع من المخلوق جائز بشرط أن يكون حياً حاضراً قادراً على إجابة الطلب، أما طلب الشفاعة من الميت أو من الغائب فهذا يدخل في الشرك، نسأل الله السلامة، ولهذا جاء النهي عنه كما سيأتي.

وأما الاستشفاع بالله على أحد من الخلق فهذا لا يجوز؛ لأنه ينافي عظمة الله، وينافي تقدير الله حق قدره؛ إذ إن العباد كلهم خلق الله وملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، وسلطانه نافذ فيهم، ولا أحد له سلطان مع الله حتى يكون الرب جل وعلا هو الشافع عند ذلك المخلوق، تعالى الله وتقدس.