للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب إثبات علو الله جل وعلا]

ثم أخبر بشيء من عظمة الله جل وعلا مما يدعو الإنسان إلى تعظيم الله جل وعلا، فقال: (إن الله فوق عرشه) والعرش هو سقف المخلوقات وأعلاها، وهو أعظمها وأكبرها وأوسعها، وهو الذي اختصه الله جل وعلا بأن يستوى عليه، والاستواء على الشيء: هو الارتفاع عليه والعلو عليه، وهذا جاء في كتاب الله في مواطن متعددة، وكذلك جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على علو الله جل وعلا وارتفاعه وأنه فوق خلقه تعالى وتقدس، ولهذا قال: (والله فوقه) يعني: فوق العرش.

يقول الله جل وعلا: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك:١٦ - ١٧] يعني أنه جل وعلا فوق، والسماء هنا المقصود بها العلو، وليس المقصود السماء المبنية حتى تكون (في) ظرفية، بل المقصود: من فوقكم في العلو.

وكذلك يقول الله جل وعلا: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:١٨]، ويقول الله جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] في آيات متعددة يذكر ربنا جل وعلا أنه بعدما خلق السماوات والأرض استوى على عرشه، وعرشه جل وعلا هو أعظم المخلوقات، كما جاء أن السماوات -على سعتها وعظمها- تكون بالنسبة للعرش كسبعة دراهم ملقاة في أرض من الفلاة، فالعرش هو أعظم المخلوقات وهو أرفعها وأعلاها، وليس فوق العرش إلا رب العالمين جل وعلا، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة ووسطها، ومنه تفجر أنهار الجنة، وسقفه عرش الرحمن)، فعرش الرحمن هو أعلى المخلوقات على الإطلاق.

ثم إنه لا ينكر هذا إلا أهل البدع الذين ضلوا عن هداية نصوص كتاب الله جل وعلا وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم بأفكارهم وعقولهم القاصرة، فإنهم اعتمدوا على عقولهم، والذي جعلهم يعتمدون على عقولهم ويضلون هو أنهم قاسوا رب العالمين على الخلق -تعالى الله وتقدس- ولو لم يصرحوا بهذا، ولكنهم يتكلمون بما يعقلون وبما تدركه عقولهم فقط، والله جل وعلا أعلى وأجل من أن تدركه العقول ومن أن تقيسه المخلوقات، كما قال الله جل وعلا: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:٤٢] يعني: إذا وصل الفكر إلى الله فيجب أن ينتهي؛ لأنه لن يعود بطائل، فالله أعظم من كل شيء، وفوق أن يتصوره متصور، كما قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] تعالى وتقدس، وكما قال جل وعلا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤]، والند هو: المثل والنظير في أي شيء كان، ويقول جل وعلا: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] يعني: هل تعلم له مثيلاً ونظيراً يساميه تعالى وتقدس.

والواجب اتباع ما جاء عن الله جل وعلا وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، والعقل لا ينافي هذا، وكذلك الفطر التي فطر الله جل وعلا خلقه عليها؛ فإن الله فطر عباده على كونه جل وعلا فوقهم، ولهذا تجد كل داع إذا دعا ربه يرفع يديه إلى السماء، ويقول: يا رب! ولا يتجه يميناً ولا شمالاً ولا تحت، بل فطرة الله التي فطر الناس عليها هي على هذا الشيء، وأن الله فوقهم، وإنما تتغير الفطر بالتعليم وبالتربية، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، والمقصود بالأبوين من يتولى تربيته، سواء الأبوان أو المدرس أو المعلم أو المربي أو غيرهم، فإذا رباه على خلاف الحق فقد رباه ضد الفطرة التي خلق عليها، وأما العقل فإن الله جل وعلا لا يجوز أن يكون حالاً في خلقه أو يكون شيء من الخلق فوقه -تعالى الله وتقدس عن ذلك-؛ لأنه أعلى من كل شيء، كما قال جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] فالسماوات كلها على سعتها يطويها جل وعلا بيده، وتكون صغيرة بالنسبة إليه تعالى وتقدس.

فلا يجوز أن يظن ظان أن شيئاً من المخلوقات يمكن أن يحيط بالله جل وعلا وتعالى وتقدس.