للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستشفاع بالله على خلقه]

قال المصنف رحمه الله: [فيه مسائل: الأولى: إنكاره على من قال: نستشفع بالله عليك].

سبق أن معنى (نستشفع بالله عليك): أنه تنقص لله جل وعلا، فالله جل وعلا لا يجوز أن يكون شافعاً عند أحد من الخلق، وإنما يشفع عند الله؛ لأن الله جل وعلا له الملك كله، وله الخلق كله، وبيده الخير كله، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا أحد يجبر الله أو يرغمه على شيء، أو يجعل الله يفعل شيئاً من الأشياء، بل الله أعظم وأكبر من أن يُجعل شفيعاً عند مخلوق من الخلق، تعالى الله وتقدس عن ذلك علواً كبيراً، ولهذا كبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه فسبح، قال: (سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله)، فصار يكرر التسبيح؛ لأن الأعرابي قال قولاً تنقص فيه رب العالمين، وبتسبيحه هذا إنكار، ثم لم يكف عن هذا الأعرابي، بل عاد عليه وقال: (ويحك!) و (ويح) كلمة توجع، يعني: إنك وقعت في أمر مهلك، (أتدري ما تقول؟ أتدري ما الله؟)، فأخبر أن الله جل وعلا قاهر فوق الخلق كلهم، وكلهم تحت تصرفه، وفي قبضته، لا يمكن أن يملكوا معه شيئاً، فيجب أن ينزه الله جل وعلا من هذا المعنى، ولا يجوز أن يتكلم بالكلام الذي فيه تنقص بالله جل وعلا، فضلاً عن أن يعتقد، أما اعتقاد ذلك فهو كفر بالله جل وعلا، نسأل الله العافية، فلهذا بادر بالإنكار عليه، ونزه الله جل وعلا من أن يكون شافعاً لأحد من الناس عند النبي صلى الله عليه وسلم، تعالى الله وتقدس، ولم ينكر عليه قوله: (ونستشفع بك على الله) بل أقره على ذلك، وهذا هو الذي كان يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشفع عند الله لمن سأل، كما طلب عكاشة بن محصن، فإنه لما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وقال: (هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، قام عكاشة بن محصن الأسدي وقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم؟ فقال: اللهم اجعله منهم) فهذا طلب شفاعة فشفع له بذلك.

وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون منه هذا، ولكن بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه لم يطلب أحد منهم شيئاً منه.