للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه)

ذكر الله شيئاً مما يجب أن يعظم به فقال: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧] يعني: أنه يقبض الأرض بيده إذا كان يوم القيامة؛ وكذلك السماوات كلها يقبضها بيده، ومفهوم الآية أن لله جل وعلا يدين؛ واحدة يقبض بها الأرض، والأخرى يطوي بها السماوات، والتي ذكر أنه يطوي بها السماوات هي يمينه، وقد جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يقبض السماوات بيمينه، والأرضين بشماله)، وهذا أيضاً ثبت عن ابن عباس في تفسيره لهذه الآية، فروى ابن جرير وغيره بأسانيد ثابتة عن ابن عباس قال: إن الله يقبض السماوات والأرض كلها بيمينه وشماله خلو، وسيذكر لنا المؤلف ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود (أن حبراً من أحبار اليهود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يضع السماوات على ذه -فأشار إلى أصبعه الخنصر- والأرضين على ذه، والشجر على ذه، والجبال والثرى على ذه، وسائر خلقه على ذه، يشير في كل مرة إلى أصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، أنا الملك، أين ملوك الدنيا؟ عند ذلك ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لما قال، وتلا قول الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}).

وجاءت أحاديث كثيرة بهذا المعنى، عن ابن عمر، وعن ابن عباس، وعن عبد الله بن مسعود، وعن أبي هريرة، وغيرهم، وهي أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها ذكر أن لله جل وعلا يدين، وأنه يقبض بهما، وأن لليدين أصابع يضع عليهما مخلوقاته إذا شاء، ويهزهن ويقول: أنا الملك! أين ملوك الدنيا؟ ويجب أن يعلم الإنسان أن الله ليس كمثله شيء: لا في يديه، ولا في أصابعه، ولا في ذاته جل وعلا، ولا في سمعه وبصره، والله جل وعلا ذكر أنه خلق المخلوقات، وأنه هو الإله الحق، وأنه هو الولي الذي يجب أن يتخذ ولياً، وذكر جل وعلا أنه جعل من المخلوقات زوجين، وأنه جعل نسل بني آدم والبهائم وغيرها من زوجين من ذكر وأنثى.

قال الله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] أي: أنكم تتعاقبون من هذا النسل، يذهب قوم ويأتي آخرون، إلى أن يأذن الله جل وعلا بنهاية هذه المخلوقات.

ثم قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ختم الله جل وعلا هذه الآية بذكر السمع والبصر، والحكمة في هذا: أن الناس وكثيراً من المخلوقات يتصفون بالسمع والبصر، فكأنه جل وعلا لما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يقول لعباده: لا يدعوكم هذا التنزيه بقوله: (ليس كمثله شيء) إلى أن تنفوا السمع والبصر عن الله؛ فإنه سميع وبصير، ولكن له سمع يليق به، وبصر يليق به، ليس كسمعكم وبصركم، وهذا هو مذهب أهل السنة، أن يوصف الله جل وعلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، ولا يتعدون ما وصف الله جل وعلا به نفسه ووصفه به رسوله، فلا يجعلون العقل حاكماً على آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحرفون ويؤولون، ويقولون كما يقول أهل البدع: إن صفات الله من المتشابه الذي لا ينبغي أن نتكلم فيه، بل صفات الله من المحكم البين الواضح الذي بينه الله وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بها على ما يليق بعظمة الله وجلاله.