للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض المسائل المستفادة من الحديث]

في هذا الحديث مسائل: أولاً: قد يقول قائل: سورة الزمر مكية، فكيف يقول: فنزلت الآية، وقد نزلت في مكة؟ والله جل وعلا يقول قبل هذه الآية: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:٦٥ - ٦٧] إلى آخره؟

الجواب

الواقع أنه جاء في بعض الروايات: (فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية)، وقد يتكرر نزول الآية أكثر من مرة كما جاء في أن الفاتحة نزلت مرتين، وكذلك بعض الآيات، ومثل هذا جاء في قوله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:٨٥] كما في الصحيحين: أن هذه نزلت بسبب سؤال اليهود في حديث عبد الله بن مسعود حيث قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض حوائط المدينة، ومعه عسيب يتوكأ عليه، فمررنا على ملأ من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه لئلا يسمعكم ما تكرهون، فقال واحد: والله لنسألنه، فقال: يا رسول الله! أخبرنا عن الروح، يقول عبد الله بن مسعود فسكت وبقي متكئاً وكأنه يوحى إليه ثم بعد ذلك قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥]، فقال بعضهم لبعض: ألم نقل لكم: لا تسألوه لئلا يسمعكم ما تكرهون؟) أي: أنهم ما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وهم يزعمون أنهم أوتوا علماً كثيراً.

المقصود: أن سورة الإسراء مكية نزلت في مكة، والجواب أن يقال: إما أن تكون الآية نزلت مرتين، وإما أن يكون كما في الرواية الأخرى: (فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم).

الأمر الثاني مما يؤخذ من هذا الحديث: أن الحق يجب أن يقبل وإن كان من عدو لك، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له هذا اليهودي ذلك قبل، وجاء بما يصدق قوله مما أنزل عليه.

الأمر الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك تعجباً وفرحاً بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يفرح أن يكون هناك شهود له ممن سبقه، ونزل عليه علم يشهدوا له بالحق الذي جاء به، فهذا هو سبب ضحكه وتعجبه صلى الله عليه وسلم.

ثم الأمور الأخرى التي أشرنا إلى بعضها سابقاً تؤخذ من هذا أيضاً.