للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دلالة مخلوقات الله على عظمته]

قال الشارح رحمه الله: [وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله، وعظيم قدرته، وعظم مخلوقاته، وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته وعجائب مخلوقاته، وكلها تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان].

قوله: (في هذه الأحاديث) المقصود التي سبق ذكرها، مثل حديث: أن الرب جل وعلا يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والثرى والشجر على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن، ويقول: أنا الملك أنا الملك، ومثل حديث ابن عمر الذي سبق (أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الله يقبض السماوات بيده، والأرضين باليد الأخرى، ثم يقول هكذا يمجد الرب نفسه، فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يشير بيده، يقول ابن عمر: فرأيت المنبر يتحرك من تحته، فقلت: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟) وتحرك المنبر هو بسبب الذكر الذي يذكر عليه من عظمة الله، وإلا فالمنبر ثابت، وهذا مثل قصة الجذع الذي كان يخطب عليه، ثم اتخذ له منبراً منجوراً من خشب الطرفاء، فلما صعد على هذا المنبر أول مرة، صار ذلك الجذع يحن على ما فقد من الذكر الذي يتلى عليه، حتى سمع أهل المسجد كلهم حنينه، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم من المنبر، وذهب إليه والتزمه، فهدأه مثل ما يهدأ الصبي الذي يبكي، وقال: (لو تركته لبقي يحن إلى يوم القيامة)، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه كان يعلم أصحابه معرفة الله جل وعلا، ويعلمهم الإيمان به، ومن الإيمان المعرفة بما تعرف الله به إلى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأسمائه وأوصافه، فقد سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بأوصاف؛ فيجب أن نتقبل ذلك كما جاء به المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، بدون تحريف ولا تعطيل، وبدون تمثيل ولا تشبيه للرب جل وعلا بالمخلوقات.