للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى التحريف والتأويل]

التحريف معناه: أن يعدل بمعاني هذه النصوص عما أراد المتكلم بها إلى معان أخرى، فهذا تحريف في الواقع، وإن سماه أصحابه تأويلاً، والتأويل جاء على لسان السلف يقصد به شيئان: أحدهما: التفسير، كما يقول ابن جرير رحمه الله في تفسيره: القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا، أي: في تفسيره، فهذا معنى صحيحاً من معاني التأويل.

المعنى الثاني: أن التأويل هو ما يئول إليه الشيء المخبر عنه، كما قال الله جل وعلا: {يَومَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:٥٣] يعني: يأتي حقيقة ما أخبر الله جل وعلا عنه يوم القيامة إذا عاينوه، فهذا تأويله.

ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف:١٠٠] يعني: هذا حقيقة الرؤيا التي رأيتها، جاءت واقعة مشاهدة.

أما المعنى الثالث الذي يقوله المتأخرون فهو مبتدع مخترع، ما جاء لا في اللغة ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله، وهو ما اصطلحوا عليه من صرف اللفظ عن ظاهره إلى غير ظاهره؛ لدليل يدل على ذلك، وهذا الدليل: إما أن يكون عقلياً، وهذا لا حصر له، ولا ضابط له، فكل يدعي أن العقل معه، وإما أمر آخر يزعم أنه دليل وهو ليس بدليل، وهذا الذي أنكره العلماء، وعده الإمام ابن القيم في كتابه: (الصواعق المرسلة) طاغوتاً من الطواغيت التي أُفسد بها دين الله، حيث جعله أحد الطواغيت الأربعة التي ذكرها، وقال: إن هذه الطواغيت هي التي أُفسد بها دين الله جل وعلا.

والواجب على الإنسان أن يأخذ دينه من كتاب الله ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، ولا ننكر كون الإنسان يستعين بأقوال العلماء على فهم كتاب الله وفهم كلام رسوله، بل ينبغي هذا، ولكن إذا جاءت أقوال تصادم كتاب الله وتصادم قول الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن نأخذ بها، ولا يجوز أن نعتبرها من المقبول، بل يجب أن نردها؛ لأنها تخالف قول الله وقول رسوله، فكل قول من أقوال الناس خالف قول الله أو قول رسوله يجب أن يرد ولا يقبل على أي حال، ومهما كان صاحبه.

ومعلوم: أن كل أحد من الخلق -من العلماء أو من غيرهم وإن بلغ في العلم درجة رفيعة- يجوز أن يخطئ وأن يقع في الخطأ؛ لأن المعصوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، أما ما عداه من الخلق فيجوز عليهم الخطأ؛ فإن بني آدم كلهم خطاء.

إذاً: أمامنا كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت، فيجب الاعتصام بهما كما قال جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] ففسر حبل الله بأنه كتابه، وأنه دينه، وفسر بأنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلها تفسيرات صحيحة.