للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام صفات الله تعالى]

قال العلماء: إن صفات الله تنقسم إلى قسمين: صفة تسمى ذاتيه، أعني: صفة ذات تتعلق بذاته، ولا تنفك عنه في حال من الأحوال، مثل الحياة، ومثل العلم، ومثل السمع، ومثل البصر.

وصفة فعلية مثل الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، أي: الشيء الذي يتعلق بمشيئته، فإذا شاء أن يفعله فعله، وإذا شاء ألا يفعله لا يفعله، فهذا سموه صفة فعل.

قالوا: وعلو الله من النوع الأول، أي: من صفات الذات، فذاته لا يجوز أن تكون تحت شيء من خلقه أصلاً؛ لهذا إذا جاء إلى الأرض يوم القيامة للفصل بين خلقه يأتي وهو فوق كل شيء، وقد علمنا كما ذكر لنا ربنا جل وعلا في هذه الآية أنه يقبض السموات كلهن بمن فيهن بيده، فتكون صغيرة حقيرة بالنسبة إليه تعالى وتقدس، كما قال جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧].

وسبق أن ذكرنا أن ابن عباس يقول في هذه الآية: السماوات والأرض كلها بيمينه.

فهو يرى أن هذه الآية خبر وحي، في قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧]، يعني: أنه يقبض الأرض ويقبض السماء بيمينه، ولهذا قال: (يقبض المخلوقات كلها بيده اليمنى وتكون شماله فارغة) هكذا قال، والسند إليه صحيح ثابت.

وثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يتفق مع هذا القول، وفي غيره من أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم، كحديث عبد الله بن عمر المتفق عليه وغيره.

فإذاً لا يجوز أن يتصور متصور أن شيئاً من المخلوقات يمكن أن يساوي الرب جل وعلا، فكل المخلوقات بسمائها وأرضها بالنسبة إلى الله حقيرة صغيرة، فيجب على العبد إذا قال: (الله أكبر) أن يستشعر أنه أكبر من كل شيء تعالى وتقدس.

والحديث الذي جاء في ذكر المسافات أن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، جاء في بعض الروايات أن ما بين السماء والسماء مسيرة اثنتين أو ثلاث وسبعين سنة، وجاء قول الله جل وعلا: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:٥].

فهذه المسيرة ألف سنة بين الأرض وبين السماء، وقد يقول قائل: اختلفت النصوص هنا، فكيف يكون الجمع بين القولين في هذا؟ نقول: إن الاختلاف هنا هو اختلاف السير، فالسير قد يكون سريعاً وقد يكون بطيئاً، والله جل وعلا أصعد رسوله إلى السماء في ليلة واحدة، والصواب الذي دل عليه الحق أنه عُرج بجسده وروحه لا بروحه فقط كما يقوله البعض، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:١]، ثم عُرج به من هناك، والأحاديث في هذا متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذلك ثبت أنه إذا قبض العبد وخرجت فإن روحه يُصعد بها إلى السماء، وإنها كلما مرت على ملأ من الملائكة بين السماء والأرض إذا كانت صالحة سلموا عليها ودعوا لها، وإن كانت خبيثة لعنوها قبل أن تصل إلى السماء الدنيا، فإن كانت صالحة استفتح لها ففُتح لها باب في السماء الدنيا، ثم يُصعد بها إلى الثانية فيُستفتح لها فيُقال: من؟ فيُقال: فلان جيء به -يعني: روحه- فيفتحون له إلى السماء السابعة، فإذا وصل إلى السماء السابعة خاطبهم الله جل وعلا وقال: (اكتبوا كتابه في عليين، وأعيدوه إلى الأرض)، فيعيدونها إلى الأرض، وهذا كله يقع قبل أن يُدفن، أي: ما بين موته وتجهيزه والصلاة عليه ووضعه في قبره، فإذا وُضع في قبره أعيدت روحه إليه، وبعدها يوقف في القبر ويسأل، وهذا ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسافات تختلف.

أما ما يقوله الملاحدة اليوم من أنهم يغزون الفضاء، وأنهم أطلقوا صاروخاً إلى الفضاء، وأنهم كذا وكذا، وأنهم ذهبوا إلى كوكب كذا وكوكب كذا، فيسمون الفوق فضاءً، أي: ليس فيه شيء، ويزعمون أنه ليس فيه إلا هذه الكواكب التي يقولون: إنها تسبح.

ويقولون: إذا صعدوا مسافة عالية أصبحوا لا يرون شيئاً، فلا يرون سماءً ولا أرضاً ولا شيئاً، وبهذا يستدلون على أنه ليس هناك سماء.

ونقول: هذا كله باطل، فالسماء لا تُرى إلا إذا كان هناك شيء يعكسها فتُرى، أما إذا انعدم العاكس انعدمت الرؤية لشدة بعدها، فإذا أصبحت الأرض لا أثر لها، ولا تأثير لها في انعكاس الرؤيا فلا تُرى، فهم إذا أبعدوا في الصعود انعدم تأثير الأرض فانعدمت الرؤية، فأصبحوا لا يرون.

ومعنى قولهم هذا: أنه ليس هناك سماء، والله جل وعلا يقول: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق:٦]، فهل يأمرنا جل وعلا أن ننظر إلى شيء عدم؟ كلا أبداً، فالسماء مبنية حقيقة، ولها أبواب لا تُفتح إلا لمن يشاء الله جل وعلا، وقد أخبر أن الكفار لا تُفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا يدخلونها.

فالمسافة التي ُذكرت إنما يكون اختلافها باختلاف السير، فإذا كان السير سريعاً كان التحديد أقل في الوقت، وإذا كان بطيئاً كان التحديد أكثر في الوقت فهذا هو الجواب عن اختلاف هذه النصوص.