للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نيل الدرجات بالعمل هو فهم الكرام]

[السابعة: عمق علم الصحابة رضي الله عنهم بمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل].

يعني أنه لما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن السبعين ألفاً يسبقون إلى الجنة علموا أنهم ما نالوا هذه السابقة إلا بعمل، فصاروا يبحثون عن هذا العمل، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا لعلمهم بأن الصحابة أفضل الأمة، بل أفضل الناس بعد الأنبياء، كما جاءت الأحاديث في ذلك، ولأن الله جل وعلا أثنى عليهم في كتابه، وذكر أنه رضي عنهم، ومعلوم أن الذي تلقى العلم والإيمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة وقاتل بين يديه وامتثل أمره لا يكون مثل من يأتي بعده لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتلق منه ولم يمتثل أمره المباشر، فلا يكون مثله ولا قريباً منه، بل الذين سبقوا بصحبتهم ما يكونون مثل الذين تأخروا، كما حدث بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، فـ خالد بن الوليد كان متأخر الإسلام، وقد أسلم قبل الفتح، لكن عبد الرحمن بن عوف كان من السابقين، فحدث بينهما شيء، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دعوا لي أصحابي.

لا تؤذوا أصحابي.

فوالله لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، هذا الكلام يوجه إلى بعض الصحابة فكيف بمن عداهم؟ وكيف بالذين أتوا بعدهم؟ ولهذا لما قيل لبعض العلماء: أرأيت عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد ومعاوية رضي الله عنهما أيهما أفضل؟ قال: غبار دخل في منخر معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بن عبد العزيز لأن الصحبة لا يعدلها شيء، صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعدلها شيء، فلا شك أن هذا القول منهم بأنهم لعلهم الصحابة له وجه في النظر.

وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام.

لأن الصحابة كانوا مشركين قبل أن يسلموا، أما الذين ولدوا في الإسلام فلم يقع منهم شرك، وذكروا أشياء، منها -في غير هذه الرواية- أن بعضهم قال: لعلهم الذين قتلوا في سبيل الله.

يعني الشهداء.

وهذا دليل على جواز المناظرة في مسائل العلم والتفقه فيها والبحث، ولو لم يكن الإنسان عنده ضرورة في ذلك، أي: عنده من يبين له المراد، فإنه يجوز أن يبحث بنفسه وإن كان عنده من يبين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندهم، فإذا سألوه أخبرهم، وهم خاضوا في هذه الأمور وصاروا يبحثون فيها وهو موجود صلوات الله وسلامه عليه.