للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير]

[الثامنة: حرصهم رضي الله عنهم على الخير].

حرصهم على الخير وعلى طلبه شيء معروف، فهم أحرص من غيرهم، أحرص من غيرهم على الخير، وهم إذا سمعوا شيئاً من الفضائل لا يتركونه حتى يعملوا به، ولهذا يقول ابن عمر رضي الله عنهما: تعلمت سورة البقرة في ثمان سنوات وما كان هذا لأنه غير قادر أن يحفظها في يوم أو يومين، لا.

ولكن ما كان يهمهم التعلم، وإنما يهمهم العمل، فلهذا يقول: (فتعلمنا العلم والإيمان والعمل معاً) يعني: كلما تعلموا شيئاً عملوا به، فما يتعلمون مثلنا للحفظ فقط، أو لغير نفسه، لا، وإنما يتعلم لنفسه، ويتعلم ليعمل، ولهذا لما جيء بصدقة الفطر في آخر رمضان، وعادة الصحابة رضوان الله عليهم أن يأتوا بالزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يتولى قسمتها، فجمعوها في المسجد، فوكل أبا هريرة بحفظها، فصار يحفظها، فجاءه رجل في وسط الليل فصار يحمل من التمر فأمسكه، قال: مالك؟ قال: دعني؛ فإني ذو حاجة وعيال.

يقول رضي الله عنه: فرحمته.

لأن هذه زكاة، وهي للفقراء ولذوي الحاجة فتركه، ثم جاء الليلة الثانية فأمسكه وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعني فإني ذو حاجة وعيال.

قال: فرحمته.

ولكن لما غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ما فعل أسيرك يا أبا هريرة؟ قال: زعم أنه ذو حاجة وعليه عيال فتركته.

قال: أما إنه سيعود.

قال أبو هريرة: فعلمت أنه سيعود لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فصرت أترصد له، فجاء فأمسكته في الثالثة وقلت: لن أفلتك.

فهذه ثالث مرة وأنت تزعم أنك ذو حاجة وعليك عيال.

فقال: دعني أعلمك شيئاً ينفعك الله به قال: نعم.

قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ فإنه لا يزال عليك من الله حافظ حتى تصبح، ولا يقربك شيطان.

فتركه من أجل ذلك، فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له هذا الكلام، قال: صدقك وهو كذوب.

أتدري من تخاطب منذ ثلاث؟ يقول: قلت: لا.

قال: ذاك الشيطان.

فالشيطان أتاه في صورة إنسان محتاج؛ لأنه لم يستطع أن يضر الصحابة في أديانهم وفي أخلاقهم فأراد أن يضرهم ولو بأكل شيء من الزكاة، ولو بهذا القدر.

المقصود أنهم حريصون على الخير أكثر من غيرهم، فإذا سمعوا بشيء عملوا به، ولهذا لما سمعوا هذا ذهبوا يتساءلون ويبحثون حتى يعلموا من يسبق إلى الجنة، ولهذا كانوا لا يفعلون هذه الأشياء التي ذكرت، لا الطيرة، ولا الاسترقاء، ولا الكي، وهم المتوكلون على الله جل وعلا.