للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدليل على أقسام التوحيد الثلاثة]

قد يقول قائل مثلا: ما الدليل على هذا التقسيم؟ ومن أين أتى؟ هل قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية، أو قاله الصحابة؟ نقول: قاله الله جل وعلا، فالله قسم هذا التقسيم، ولكن الصحابة والسلف من العلماء وغيرهم كان هذا من الأمر الظاهر الجلي عندهم، لا يحتاج إلى الكلام عليه، فهو أمر ظاهر جلي جداً، لا يجهله الصبيان والنساء والعجائز وغيرهم، يعرفونه تمام المعرفة، وإنما جهل لما فسد اللسان، واختلطت اللغة العربية باللغة الأعجمية، فصار الناس لا يعرفون ما يتكلمون به، فصاروا لا يعرفون معنى الإله، ولا يعرفون معنى العبادة، ولا يعرفون معنى (الرب)، ولا يعرفون معنى (الله)، عند ذلك احتاج العلماء إلى إيضاحه وبيانه وتفصيله، يقول الله جل وعلا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، فـ (الله) تقدم لنا أنه مأخوذ من الإله، أي: التأله، والرب معناه غير معنى الله جل وعلا، فإذاً الله له معانٍ، وهو أن يؤله ويعبد، والرب له معانٍ، وهو أن يكون مالكاً متصرفاً مدبراً بيده كل شيء.

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٢ - ٣] (الحمد لله) هذا توحيد الإلهية، (رب العالمين) توحيد الربوبية، (الرحمن الرحيم) توحيد الأسماء والصفات، ثم قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤]، الذي يملك اليوم ويوم الدين، ويجازي ويحاسب، وينفع ويضر، ويعاقب إذا لم يفعل أمره، ويعاقب إذا عصي، ويثيب إذا أطيع هو الرب وهو المالك المتصرف (مالك يوم الدين)، وقرئ: (ملك يوم الدين)؛ لأن يوم الدين ليس فيه من يملك إلا الله جل وعلا وحده، أما في الدنيا فهناك من يدعي أنه يملك وإن كان الملك مؤقتاً، وسوف يسلم ملكه، والواقع أن الملك عارية عنده، وإلا الملك كله لله، في الأولى والآخرة، ولكن يوم الدين كل فرد يأتي كيوم ولدته أمه، لا ثياب ولا نعال، ولا مال ولا ولي، ولا ناصر ولا شافع: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:١٩]، وظاهر ذلك، ولهذا قيل: (مالك يوم الدين).

وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] (إياك نعبد): العبادة تصدر من العبد، وهي التأله والذل والخوف كما سيأتي، والاستعانة تكون بالذي يملك ويستطيع أن يعين؛ لأنه بيده الملك، فإذا دعي أجاب، وإذا سئل أعطى، ينفع ويضر، وهذا معنى الرب جل وعلا، وهكذا القرآن مملوء من هذا، كل القرآن من أوله إلى آخره يدل على هذا التقسيم.

فإذاً علينا أن نتدبر كتاب ربنا جل وعلا، ونتفهم ونعرف الأمر الذي خلقنا له، ونعرف مصيرنا، فالإنسان لا يجوز له أن يجهل لماذا خلق، أو يجهل مهمته في هذه الحياة، أو يجهل نهايته وإلى أين يكون، لا يجوز هذا، والواقع أن الإنسان إذا جهل هذه الأمور فهو مفرط في نفسه، ومسئول عن ذلك، وسوف يندم يوم لا يغنيه الندم ولا ينفعه.