للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)

قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) رواه البخاري].

الند هو المنادد، أي: المناظر والمماثل ولو في صفة من الصفات و (ند الشيء) نظيره ولو في صفة من الصفات، ولا يمكن أن يكون المخلوق مماثلاً للخالق في وجوه شتى، وإنما قد يكون المشرك يجعله مماثلاً له في الفعل الذي يفعله، ولا يلزم أن يعتقد أنه منادد لله، بل إذا جعل له شيئاً مما يجب لله فقد جعله نداً، كما قال الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت.

فقال: أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده)؛ لأنه شرك بينه وبين الله بالواو التي تقتضي الجمع والمشاركة، ولو بالفعل، وإن كان فعله متميزاً وفعل الله متميزاً عنه، ولكن الجمع الظاهر يقتضي ذلك، ولهذا قال: (أجعلتني لله نداً؟).

وكذلك إذا أضاف الإنسان الأمور إلى الأسباب الظاهرة، فإنه يكون قد جعل لله نداً، ولهذا جاء في الحديث عندما أمطروا ليلة الحديبية وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الصبح وقال: (أتدرون ماذا قال ربكم البارحة؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك مؤمن بالكوكب وكافر بي)، ومعلوم أن الناس لا يعتقدون أن الكواكب هي التي تنزل المطر، ولكن يضيفون المطر إلى طلوعها أو غروبها فقط، ويقصدون بذلك أن هذا الوقت جاء فيه المطر، فأضافوه إلى الكوكب وإلى النوء، فأصبحت هذه الإضافة -وإن كانت بهذه المثابة- من الكفر؛ لأنها تنديد، وذلك أنهم أضافوا رحمة الله ونعمته إلى غيره من المخلوقات، ومثله أن يقول: لولا الله وفلان لصار كذا وكذا.

أو يقول مثلاً: لولا البط في الدار لدخل اللصوص.

ولكن البط ينبه، ومثل أن يقول مثلاً: لولا أن السيارة جديدة ما وصلنا في هذا الوقت إلى هذا المكان.

وما أشبه ذلك من إضافة النعم التي تحصل للإنسان إلى الأسباب، فهذا من التنديد بالألفاظ، وهو نوع من أنواع الشرك؛ لأن الشرك يكون باللفظ، ويكون بالفعل، ويكون بالنية والقصد، وإذا سلم الإنسان من هذه الأمور من الأفعال التي تكون مُشّرَّكة بين الله وبين المظاهر الأخرى من المقاصد والأقوال، إذا سلم من الأفعال المشركة والمقاصد والأقوال فقد سلم من الشرك دقيقه وجليله، فالشرك جليل ودقيق، وظاهر وخفي، ويجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر أشد العناية، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتني بذلك، ويعلم الأمة هذه الأمور، ويحذرهم من الشرك، كما قال في هذا الحديث: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، وكذلك الحلف بغير الله فإنه من هذا القبيل، كأن يحلف بالنبي أو يحلف بأبيه أو بأمه أو بالأمانة أو بالكعبة أو ما أشبه ذلك؛ فإن الحلف بغير الله من التنديد وشرك الألفاظ، وإن كان لم يقصد بالحلف أن هذا المحلوف به يستطيع أن يوقع العذاب به إذا كان كاذباً، أما إذا كان يعتقد هذا فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن هذا معناه أنه جعل لهذا المحلوف به ما لله جل وعلا، والله وحده هو الذي يطلع الغيب ويعلم ما في النفوس، وإذا كان الإنسان كاذباً فإن الله جل وعلا يعاقبه ويعذبه على ذلك، إذا كان الإنسان إذا حلف بالمخلوق يعتقد أن المخلوق بهذه المثابة صار حلفه ليس من الشرك الأصغر بل من الشرك الأكبر، ولهذا يقول ابن عباس في قوله جل وعلا: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] يقول: أتدري ما الأنداد؟ الأنداد أن تقول: لولا الله وفلان، لولا البط في الدار لدخل اللصوص.

لولا الكلب لعدى علينا السبع.

لولا كذا لصار كذا.

وهذا يقوله الناس ويكثر في أقوالهم، فهم يجعلون ما يحصل لهم من الخير بسبب أمر من الأمور التي قد تكون سبباً وقد لا تكون سبباً، والأسباب كلها بيد الله هو الذي جعلها أسباباً، وإذا شاء أن يعطلها عطلها، وإذا شاء أن يوجد موانع تمنع حصول ما يترتب على السبب أوجد ذلك، فالأمر بيده، ويجب أن يرد الشيء إليه، ولهذا يستحب إذا أراد الإنسان أن يضيف شيئاً إلى شيء أن يقول: لولا الله ثم كذا وهذا في الأمر الذي يكون سبباً لحصوله، أما الأمر الذي يتعلق بنفس الإنسان وبفعله فالشيء الذي مضى لا يعلق، فلا يقال لمن يسأل: متى قدمت؟ أو على أي شيء قدمت؟ فيقول: قدمت إن شاء الله أمس.

أو قدمت إن شاء الله على الطائرة.

أو قدمت إن شاء الله على السيارة.

هذا ما يعلق بالمشيئة؛ لأن هذا قد حصل، والأمور التي حصلت ومضت قد علمنا أن الله شاءها، ولولا مشيئة الله ما حصلت، فيقول: قدمت على كذا وكذا بدون أن يقول: إن شاء الله، وإنما يقال هذا في الأمور المستقبلة، وكذلك إذا كان السبب الذي يذكر لا يجوز أن يكون مستقلاً، فيجب أن يقول: لولا الله ثم فلان، ثم كذا وكذا؛ لأن هذا فعل وقع بسبب، بخلاف الشيء الذي يقع من الإنسان نفسه وقد مضى، فإن هذا علمنا أن الله شاءه، ولولا مشيئته ما حصل.