للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نوعا اتخاذ الند]

قال الشارح رحمه الله: [واعلم أن اتخاذ الند على قسمين: الأول: أن يجعله لله شريكاً في أنواع العبادة أو بعضها -كما تقدم-، وهو شرك أكبر.

والثاني: ما كان من نوع الشرك الأصغر، كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، وكيسير الرياء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت قال: أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده)].

النوع الثاني لا يخرج الإنسان من الدين الإسلامي، النوع الثاني يكون تنديداً ولكنه شرك أصغر، وإذا وقع من الإنسان فالإنسان يكون مسلماً، وليس خارجاً من الإسلام بذلك، ولكنه في الواقع ارتكب ذنباً عظيماً يجب عليه أن يتوب منه، فإن مات وهو غير تائب بل مصر على هذا الأمر فأمره إلى الله، ولا يقال: إنه في النار.

بل يكون أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه بدون عذاب، ثم مآله إلى الجنة، بخلاف القسم الأول الذي هو الشرك الأكبر، فمن مات عليه فهو في النار قطعاً خالداً فيها، ولا يمكن أن يدخل الجنة؛ لأن الله جل وعلا أخبرنا أن الجنة حرام على المشركين، {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:٧٢]، فالجنة حرام على من يموت على الشرك الأكبر، فالله جل وعلا أخبرنا أن من يموت على الشرك أن الله لا يغفر له، ففي هذا الحال نقطع قطعاً يقينياً بأن من يموت على الشرك الأكبر أنه خالد في النار، وإن كان يصلي، وإن كان يزكي، وإن كان يقول: (لا إله إلا الله)، لا يفيده كل هذا؛ لأن المقصود بـ (لا إله إلا الله) وبالأفعال هذه أن تقوم على الإخلاص، فالذي يفعل الشرك ويكفر ويقول: (لا إله إلا الله) معناه أنه ما عرف معنى (لا إله إلا الله)، ولم يأت بما دلت عليه، وإنما جاء بالمتناقضات، فهذا لا يفيده، مع أن اليهود يقولون: (لا إله إلا الله)، وهم في النار.

ولا يغتر الإنسان بما يفهمه بعض الجهلة من أن من قال: (لا إله إلا الله) حرم على النار، وأنه يخرج من النار من قال: (لا إله إلا الله)، فالمقصود في هذا غير مشرك؛ لأن من شرط (لا إله إلا الله) أن تقع من غير مشرك؛ لأنها تنفي الشرك، وإلا فما هي الفائدة في قولها إذا كان الإنسان يقولها وهو يشرك؟ وقد علم هذا في وضعها، ولكن يعلمه أهل اللغة، أما الذين فسدت ألسنتهم وأصبحوا لا يفهمون معنى الكلام فهم يقولون: (لا إله إلا الله) وهم يعبدون أصحاب القبور، فيأتون بالمتناقضات، وقد مر معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمه عند موته: (قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)، فقال له جلساء السوء أصحابه المشركون: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وما معنى هذا؟ معنى هذا أنه لو قال هذه الكلمة لخرج من دينهم ودخل في دين آخر، وهذا هو الذي تنفعه كلمة (لا إله إلا الله)، الذي يفهم أنه إذا قالها خرج من دين الكفار كله ومن دين المشركين كله ودخل في دين محمد صلوات الله وسلامه عليه الذي جاء به، فلما أعاد عليه أعادوا عليه الكلام، ففي النهاية قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقولها ومات على ذلك.

فلا يجوز للمسلم أن يكون أبو جهل وعتبة بن ربيعة أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله)، وللأسف فإن كثيراً ممن يدعي الإسلام أولئك أعلم منهم بـ (لا إله إلا الله)؛ لأنهم أهل اللغة الذين نزل القرآن بلغتهم فعلموه، لهذا لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: لا إله إلا الله) قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً.

أنكروا هذا لأنهم يعلمون أنهم إذا قالوا هذه الكلمة اتجهوا إلى إله واحد فقط وهو الله وحده.