للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (إنك تأتي قوماً)

قوله: (إنك تأتي قوماً من أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة ألا إله إلا الله) يعني: يبدأهم في الدعوة بأن يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فهذا أول ما يبدأهم به، مع أنهم ما كانوا يعبدون الأوثان، ومع ذلك يدل هذا على أنهم يجب أن يشهدوا ألا إله إلا الله قبل كل شيء، وأنهم لا يصح دخولهم في الإسلام ولا يقبل منهم حتى يتشهدوا هذه الشهادة وينطقوا بها؛ لأن هذه الكلمة وضعت لكون الإنسان يتحقق أن العبادة لله وحده، وأنه يكفر بكل معبود سوى الله جل وعلا؛ لأن عبادة الله لا تستقيم إلا بالكفر بما يعبد من دونه، كما قال الله جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦]، والعروة الوثقى هي (لا إله إلا الله)، فإذا قالها الإنسان مؤمناً بها مصدقاً موقناً محباً لها قابلاً بها عاملاً بما تقتضيه فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهذا هو أصل الدين الذي جاءت به الرسل كلها من أولها إلى آخرها، فكل رسول يأتي بهذا إلى قومه ويدعوهم إليه أول شيء، ودين الرسل كلها هو دين الإسلام، كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، وذكر الله جل وعلا عن الرسل أن كل واحد منهم يقول: ((أسلمت لك)) يسلمون لله، ويأمرهم بالإسلام، فالإسلام معناه الاستسلام لله جل وعلا بالإنقياد والطاعة التامة والخضوع له.

وهو مقتضى (لا إله إلا الله)، أن يكون القلب متحليّاً بالتأله لله جل وعلا وحده، والتأله هو عبادة القلب عبادة الحب والذل والتعظيم، كما سيأتي تقسيم المحبة، وأنها يجب أن تكون لله وحده؛ لأنها هي التألة، وهي محبة مشتركة بين الخلق كلهم.