للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فرضية الصلاة]

ثم قوله صلوات الله وسلامه عليه: (فإن هم أطاعوك لذلك) يعني: استجابوا وقبلوا منك بأن شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: (فأعلمهم -مرتباً على ذلك- أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)، وهذا دليل واضح على أنه لا يلزم المسلم إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة، ولا يلزمه تحية المسجد ولا الرواتب التي قبل الظهر وبعدها، والتي بعد المغرب وقبل العشاء وبعدها، ولا الوتر ولا غير ذلك، وإنما هذه كلها سنن إذا أتى بها الإنسان فله الفضل والجزاء، له الفضل من الله يتفضل عليه بالإحسان بأن يجزيه على ذلك، وإن لم يأتِ بها فليس ظالماً وليس عاصياً بترك ذلك، إذا أتى بالصلوات الخمس فقط يكون قد أتى بما يلزمه.

ولهذا ثبت في صحيح مسلم: (أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصار يتكلم وهو رجل كبير السن، يقول الصحابي-: نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن فرائض الإسلام وشرائعه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولا تشرك به شيئاً -وصار يمسك بأصابعه- ثم قال: أخبرني عن شرائع الإسلام؟ فقال: خمس صلوات في كل يوم وليلة.

فأمسك بإصبعه فقال: هل علي غيرها شيء؟ قال: لا إلا أن تطوع -يعني: تأتي بشيء من عند نفسك تطوعاً-، ثم قال: تزكي المال -تؤدي الزكاة- فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا.

إلا أن تطوع.

ثم قال: فماذا؟ فذكر الصوم -صوم شهر رمضان- فقال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع.

ثم قال: وماذا بعد ذلك؟ فقال: تحج البيت؟ فقال: وهل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع فأمسك بأصابعه وقال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها شيئاً ثم ولى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صدق دخل الجنة).

وجاء في رواية: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) أمسكها بأصابعه وقال: والله لا أزيد عليها شيئاً ولا أنقص عليها شيئاً.

فإذا جاء الإنسان بهذه ولم ينقص منها شيئاً فهو من أهل الجنة.

ولما قال معاذ رضي الله عنه: (يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه)، عظيم لأن دخول الجنة ليس سهلاً؛ ولأن الإنسان إذا دخل الجنة يبقى فيها ما دامت السموات والأرض منعماً، وملائكة الرحمن تدخل عليه من كل باب قائلة له: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٤]، وإلا صار في الدار الأخرى في جهنم.

فقال له: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، ثم قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً -هذه واحدة- وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)، فقط هذه الخمس التي دله عليها لما سأله عن عمل يدخله الجنة، وأخبره بهذه الأمور الخمسة، فالجنة مرتب دخولها على الإتيان بهذه الخمسة الأشياء: شهادة ألا إله إلا الله، وهي التي يقول فيها: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج مرةً واحدة في العمر، وما عدا ذلك فليس بلازم على الإنسان، إلا أن يلزم نفسه به، كالذي ينذر مثلاً، والنذر هو إلزام الإنسان لنفسه ما ليس بلازم له.

فإذا كان الأمر هكذا فلا يلزم الإنسان إلا خمس صلوات في اليوم والليلة كما هو واضح، وقد علمنا أن بعث معاذ إلى اليمن كان في السنة العاشرة من الهجرة.

في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عُلم أن معاذاً رضي الله عنه لما ذهب إلى اليمن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في اليمن، وما جاء إلى المدينة إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر الصديق.