للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صلاة الجماعة]

وقد فرض الله الصلوات جماعة، فمن واجبات الصلاة كونها في الجماعة، وواجب على المسلمين أن يصلوها جماعة، كما قال عبد الله بن مسعود: (إن نبيكم سن سنن الهدى، وإن الجماعة من سنن الهدى، فلو تركتم الجماعة وصليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم)، ويقول في حديث آخر: (لقد رأيت أحدنا يؤتى به يهادى بين اثنين حتى يجلس في الصف) من شدة ما يحافظون على الجماعة، وجاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار)، وجاء في رواية أنه قال: (لولا ما في البيوت من الذرية والمتاع لحرقتها عليهم)، وهذا لا يكون إلا لترك واجب متعين، فالمقصود أن الصلاة جماعة من سنن الهدى التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوجبها على المسلمين، فعليهم أن يصلوها جماعة في المساجد.

ثم إذا فاتت الإنسان الجماعة فعليه أن يحرص بأن يؤدي صلاته في جماعة، سواءٌ في المسجد الذي فاتته صلاة الجماعة إذا وجد من لم يصل جماعة، أم في غيره من المساجد إذا كان يستطيع أن يدرك جماعة ولو لم يكن معه من صلى فريضته، فقد جاء أن رجلاً دخل المسجد وقد صُليت الصلاة فأراد أن يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) (يتصدق عليه) حتى تكون صلاته جماعه، ولما كان صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف يصلي وانتهت الصلاة رأى رجلين جالسين فقال: (علي بهما فجيء بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا، ألستما بمسلمين؟ قالا: بلى -يا رسول الله- ولكننا صلينا في رحالنا -أي: صلينا مع جماعتنا في المكان الذين نحن نازلون فيه- فقال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما إلى جماعة فصلوا معهم تكن لكم نافلة)، وهذا نوع من الإعادة.

والمقصود أنه يجب على المسلمين أن يحافظوا على الصلاة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يطالبهم الله جل وعلا لمخالفة خالفوها، ومن طالبه الله أدركه، ومن أدركه أخذه، ولن يفوت أحد من الخلق ربه جل وعلا، ولهذا يقول: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:٢٥ - ٢٦].

(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ): أي: رجوعهم.

سيكون رجوع الخلق كلهم إلى الله ثم يحاسبهم.