للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاحتجاج بخبر الواحد]

ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخص معاذاً في بعثه إلى اليمن، وقد علم أنه بعث معاذاً، وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعث أبا موسى الأشعري، كلهم بعثهم إلى اليمن وكلهم ملتهم واحدة، يدعون إلى الله ويبلغون عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحكمون نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحد منهم جعله على مخلاف من مخاليف اليمن، والمخلاف كقولنا: مقاطعة.

وكذلك كان صلوات الله وسلامه عليه يبعث الرسل ويبعث الدعاة الذين يبلغون عنه، وفي هذا دلالة واضحة أنه يجب على الأمة قبول خبر الواحد العدل، فإذا جاء بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال له كذا، أو أنه سمعه يقول كذا، أو أنه أمر بكذا وجب قبول ذلك؛ لأن هؤلاء أفراد بعثهم إلى اليمن، كما كان صلوات الله وسلامه عليه يبعث إلى الرسل والملوك وإلى البلاد النائية، فقد بعث رسله إلى قيصر رسولاً، وبعث إلى المقوقس ملك مصر، وبعث إلى ملك الروم هرقل، وفي هذا كله يبعث رجلاً واحداً، وأحياناً قد يرسل اثنين، وكتبه كذلك، أعني كونه يكتب الكتاب ويرسله مع شخص، وإذا بلغ الإنسان كتابه أو رسوله وجب عليه قبول ذلك وقامت عليه الحجة، فالذين يقولون: إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم ولا تقبل ضلاّل أهل بدع، أما أهل الحق وأهل السنة الذين اتبعوا الصحابة رضوان الله عليهم فلا إشكال عندهم في ذلك.

والأدلة على هذا كثير جداً غير ما ذكرنا.

منها: أنه لما نزلت الآيات التي فيها نسخ القبلة من الشام إلى الكعبة كانت أطراف المدينة بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بنو عوف في قباء، فأتاهم آت وهم يصلون مستقبلين الشام، فقال: أشهد لقد أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآن فأمر بالتوجه إلى الكعبة.

فاستداروا وهم في الصلاة نحو الكعبة، وبقوا على صلاتهم السابقة، مما يدل على سرعة امتثال الصحابة رضوان الله عليهم وانقيادهم الكامل للأمر الذي يأتيهم بسرعة، وهذا ليس سهلاً، وانحرافهم وهم في الصلاة، وكذلك تغيير القبلة، وغير ذلك، أشياء كثيرة تدل على أن مثل هذا يجب قبوله وتقوم به الحجة.