للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كفر من لم ينطق بالشهادتين]

[وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير العلماء.

اهـ].

يعني: إذا كان الإنسان يستطيع أن يقول: (لا إله إلا الله) ولم يقلها، وإن اعتقد في باطنه أن الإسلام هو الدين الحق، وإن أحب الإسلام في باطنه، ولكنه لم ينطق بهذه الكلمة وهو يستطيع فهو كافر ظاهراً وباطناً، وكذلك لو نطق بها، ولكن نطقه ليس عن علم، ولا عن يقين، ولا عن اقتناع بها، فإنه يكون منافقاً، ولا ينفعه ذلك في الآخرة، وإن منع ذلك عنه القتل، ولهذا لما غزا بعض الصحابة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة ولاقوا عدوهم وصار بينهم القتال، وكان من الكفار رجل لا يترك أحداً من المسلمين إلا وأخذه يقتله، يغير من هنا وهنا ويقتل، فتبعه رجلان من المسلمين واحد من الأنصار والآخر من المهاجرين وهو أسامة بن زيد بن حارثة، فلما أدركاه ورفعا عليه السيف قال: (لا إله إلا الله) عند ذلك كف عنه الأنصاري، ولكن أسامة ضربه فقتله، فلما بلغ ذلك رسول صلى الله عليه وسلم عظّم الأمر، فجاء أسامة يقول: (يا رسول الله! إنما قال هذه الكلمة تعوذاً من السيف) يعني قالها لأجل أن يمتنع من القتل فقط، وإلا فهو كافر، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هلا شققت عن قلبه)، فلم يزل يكرر الأمر عليه ويعظمه حتى قال أسامة رضي الله عنه: (وددت لو أني لم أسلم قبل ذلك اليوم) يعني: مما سمع من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (كيف تصنع بـ (لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة؟)؛ لأنه إذا تكلم الإنسان بشيء فأمره إلى الله، ولا يدري ذلك حتى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعلم الغيب إلا ما علمه الله إياه، ولهذا قال: (ما أمرت أن أشق عن قلوب الناس)، ولما قيل له عن فلان: إنه منافق.

أو أنه ليس على ديننا.

قال: (أليس يشهد ألا إله إلا الله؟ قالوا: بلى يشهد.

ولا شهادة له.

قال: أليس يصلي؟ قالوا: بلى يصلي ولا صلاة له.

قال: أولئك الذين نهيت عن قتالهم) أي: إذا شهدوا وصلوا فقد جاء النهي عن قتالهم؛ لأن الله جل وعلا يقول: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:٥] يعني: لا تقاتلوهم، ويوكل أمرهم إلى الله، فإن كانوا صادقين صارت بواطنهم -نياتهم ومقاصدهم- مثل ظواهرهم، فهؤلاء هم المسلمون حقاً، وإن كان ظاهرهم الموافقة فقط وباطنهم مخالف لما أظهروه فهؤلاء هم المنافقون، وسوف يأخذهم الله جل وعلا ولا يتركون، فالأمر على الظاهر في أحكام الدنيا، وهي تجرى على الظاهر، وليس للإنسان إلا ما يظهر، إلا إذا تبين خلاف الظاهر بالأدلة فنعم، أما إذا لم يتبين فيوكل باطنه إلى الله، ويعمل بما أظهر، إذا أظهر أنه موافق مسلم قبل منه ذلك، وإذا كان إذا خلا وحده في بيته أو في غير بيته يبارز الله جل وعلا بالكفر والمعاصي فهذا معناه أنه أسلم من أجل الناس ومن أجل الدنيا فقط.