للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض العلماء لا يعرف معنى لا إله إلا الله أو لا يعمل بما دلت عليه]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وفيه: أن الإنسان قد يكون عالماً وهو لا يعرف معنى (لا إله إلا الله)، أو يعرفه ولا يعمل به.

قلت: فما أكثر هؤلاء لا كثرهم الله تعالى!].

هذه من المسائل التي أخذت من الحديث السابق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعد قوله: (إنك تأتي قوم أهل كتاب) قال: (ادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله)، وهذا معناه أنهم لا يعرفون شهادة ألا إله إلا الله وهم من أهل الكتاب وهم علماء، ولهذا يقول الشارح: [فما أكثر هؤلاء لا كثرهم الله]، وهو يشير إلى الذين يعبدون غير الله وهم يقولون: (لا إله إلا الله)، تجد أحدهم -مثلاً- يطوف بالقبر، ويستنجد بصاحبه، ويسأله كشف الكروب، ويسأله ربما غفران الذنوب، ويسأله إزالة الخطوب التي قد تقع، ويدعوه بما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا، وهو يقول: (لا إله إلا الله)! فهذه مناقضة تمام المناقضة؛ لأن معنى (لا إله إلا الله): إبطال كل دعوة لغير الله جل وعلا، ومعناها أن الدين كله لله، وقوله لهذه الكلمة يكون مثل المستهزئ الذي يستهزئ بهذا القول؛ لأنه يأتي بفعله ما يناقضها، والفعل أبلغ من القول بغير شك، فلهذا لا يقع أحد من المسلمين في الاستنجاد بالأموات وسؤالهم إلا وهو مناقض لهذه الشهادة تمام المناقضة مهما كانت، سواءٌ سموا الاستنجاد والدعوة توسلاً أو شفاعةً أو محبةً للصالحين، أو غير ذلك من الأسماء التي يزينون بها الشرك، وإلا فهي شرك صريح أعظم من شرك مشركي العرب الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بدرجات، وذلك أن مشركي العرب ما كانوا يدعون الأصنام والأشجار والأحجار عند الكربات، وما يدعونها لكشف الخطوب، وإذا وقع خطب فإنهم يقبلون على الله جل وعلا يدعونه وحده، كما قال الله جل وعلا محتجاً عليهم: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] يعني أنهم يعتقدون أنه لا يكون ذلك إلا لله وحده، ويعلمون هذا تماماًَ.

ولهذا احتج الله به عليهم، بخلاف هؤلاء الذين يدعون المقبورين ويتجهون إليهم، عندما يقعون في الشدائد يخلصون الدعاء لهم، وينسون الله جل وعلا، وهذا لم يقع للمشركين الأولين، بل شرك هؤلاء أعظم بكثير من شرك الأولين، هذا وهم يقولون: (لا إله إلا الله)، والسبب في هذا أنهم ما علموا معنى (لا إله إلا الله)، ولا علموا معنى العبادة، ولا علموا معنى التأله، لا يعرفون ما معنى الإله، ويظنون أن الإله هو الذي يخلق ويرزق وهو الذي يدبر الكون فقط، وليس هو الذي تألهه القلوب وتدعوه وترجوه وتخافه وتحبه، ما عرفوا هذا، فلكونهم جهلوا اللغة العربية التي جاء بها القرآن وجاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وقعوا في المتناقضات، ووقعوا في الشرك فهذا هو السبب.