للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من الظلم]

قوله: (واتق دعوة المظلوم) أي: اجعل بينك وبينها وقاية بالعدل وترك الظلم.

وهذان الأمران يقيان من رُزِقَهُما من جميع الشرور دنيا وأخرى.

وفيه تنبيه على التحذير من جميع أنواع الظلم.

قوله: (فإنه -أي: الشأن- ليس بينها وبين الله حجاب) هذه الجملة مفسرة لضمير الشأن، أي: فإنها لا تحجب عن الله فيقبلها.

وفي الحديث أيضاً قبول خبر الواحد العدل، ووجوب العمل به، وبعث الإمام العمال لجباية الزكاة، وأنه يعظ عماله وولاته، ويأمر بتقوى الله تعالى، ويعلمهم، وينهاهم عن الظلم ويعرفهم بسوء عاقبته، والتنبيه على التعليم بالتدرج، قاله المصنف.

قلت: ويبدأ بالأهم فالأهم].

قوله: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) فسر عدم الحجاب بأنها تقبل، فالمظلوم إذا دعا أجابه الله جل وعلا.

والتقوى المقصود بها مخافة الله وإقامة العدل، فإذا كان الإنسان يخاف ربه جل وعلا فإنه يفعل المأمور ويترك المحذور، فمن رزق ذلك فإنه يكون عنده وقاية تقيه من عذاب الله جل وعلا.

ومن أسباب العذاب العاجل -وليس الآجل- الظلم، والظلم أنواع: قد يكون بأخذ الأموال، وقد يكون بالاستطالة في الأعراض، وقد يكون بالاحتقار والازدراء، أي أنه قد يكون بالفعل وقد يكون بالقول، وقد يكون بغير ذلك، فالواجب على العبد أن يتقي ربه، وألا يرى نفسه فوق الناس وأحسن من الناس، فإنه إذا رأى نفسه بهذه الصورة فإنه يزدري كثيراً من الناس ويظلمهم، سواءٌ بالفعل أو بالقول، ومعلوم أنه ليس كل أحد يستطيع الظلم بالفعل، وإنما يستطيع ذلك من كان بيده شيء من أمور المسلمين العامة، ولو لم يكن الأمر له فيه استقلال، فإنه إذا كان بهذه المثابة استطاع أن يظلم، فيظلم نفسه أولاً بعدم أداء الواجب، ثم يظلم عباد الله لعدم قضاء الأمور التي أنيطت به، والسبب في هذا عدم مخافة الله جل وعلا، ثم كونه لا يتقي أسباب العذاب الذي سوف يكون عاجلاً.

وقد يقول قائل: إننا نرى كثيراً من الناس يظلمون وما رأينا عذاباً عاجلاً يصيبهم! ف

الجواب

جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليملي الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) يملي له ليزداد عذابه، ما يملي له لأنه ترك معاقبته، بل ليزداد عذاباً، ولكن لو رجع وتاب إلى الله فإن الله تواب رحيم جل وعلا، ولهذا ذكر في كتابه المشركين ثم عرض عليهم التوبة فقال: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} [المائدة:٧٤]، يقول لهم هكذا: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} بعدما ذكر طغيانهم مما يدل على كرمه وجوده جل وعلا.

فالمقصود أن الظلم سبب عاجل للعذاب، وإذا وقع الظالم في شدة لم يفلت منها، فيأخذه الله جل وعلا أخذاً قريباً جداً، ومهما امتد به العمر أو فسح له في الأجل فهو قريب، وإذا أخذه لم يفلته، فأخذ الله أليم شديد جل وعلا.