للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توحيد المعرفة والإثبات]

قال الشارح رحمه الله: [قال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه: وأما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب، فهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد.

فالأول هو: إثبات حقيقة ذات الرب تعالى، وصفاته وأفعاله وأسمائه، وتكلمه بكتبه، وتعليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح، كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر الحشر، وأول تنزيل السجدة، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها، وغير ذلك].

هذا كثير في القرآن جداً، وقل آية في القرآن إلا وفيها شيء من أسماء الله وصفاته، إما صفة فعل أو صفة ذات أو غير ذلك، والحكمة في هذا أن الناس كانوا يحتاجون إلى هذا؛ لأن من حكمة الله جل وعلا أن الناس إذا احتاجوا إلى شيء يكون وجوده أكثر، مثل الماء، فالناس يحتاجون إلى الماء فصار وجوده كثيراً، ومثل وجود الهواء، ومثل وجود الملح، ومثل وجود النار وما أشبه ذلك، فكل شيء الحاجة إليه عامة شاملة كان وجوده وتيسيره أكثر للناس، وهذه حكمة من الله ورحمة منه.

ففي زمن الصحابة ما كانوا بحاجة إلى تكثيره إلا من ناحية أن الله يعرفهم بنفسه، هذا هو الأصل، والله تعرف إلى خلقه بذكر أسمائه وأوصافه، وكل اسم له معنى يدل عليه، فعرف المؤمنون ربهم بهذا؛ لأن الله غير مشاهد، وليس له مثيل يقاس عليه تعالى وتقدس، فليس هناك طريق لمعرفته إلا أن يخبر جل وعلا عن نفسه، هذا هو الأصل في الإكثار من ذكر أسماء الله، وبعدما ذهب عصر الصحابة وعصر التابعين وأتباعهم وجاءت الخلوف حدث في الأمة من يكفر بهذا النوع وينكره، وأصل مجيء هذا الإنكار وهذا الكفر من اليهود والنصارى والمجوس الذين يعادون هذا الدين، فأوجدوا المؤسسات والجمعيات الخبيثة التي تحارب العقيدة، وصاروا يبثون سمومهم في أوساط الناس، وربما في الكتب أيضاً، وبدءوا بتشكيك الناس في معبودهم وإلههم، فصاروا ينكرون الأسماء والصفات، ولو جاءوا إلى الناس وقالوا: إن الله لا يتكلم، إن الله لا يسمع، إن الله لا ينزل إلى السماء الدنيا، إن الله لم يستو على عرشه، إن الله ليس فوقنا، وما أشبه ذلك، بدون أن يذكروا مبررات؛ ما قبل منهم ذلك، فأحكموا الخطة وقالوا: إنكم إذا قلتم هذا، قلتم بالكفر والتشبيه، فيجب أن تنزهوا الله عن هذه الأوصاف والأسماء، فجاءوا من هذا القبيل، فقبل قولهم الذين لا يعلمون، فانبرى العلماء للرد عليهم وإبطال كيدهم، فملأوا الدنيا كتباً، وكلها مأخوذة من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم في الرد على مثل هؤلاء، وكتاب الله مملوء جداً بإبطال كيد هؤلاء، ولكن مع هذا كله انطلى هذا الخبث وهذه الدسائس على كثير من الناس، فأصبحوا إلى اليوم متأثرين بهذه الدعايات، فإلى الآن كثير من المسلمين متأثر بذلك، فأنكروا أن الله جل وعلا مستو على عرشه، وأنكروا أن الله جل وعلا فوق عباده، وأنكروا أن الله جل وعلا ينزل إلى السماء الدنيا، وأنكروا أن الله جل وعلا يأتي يوم القيامة لفصل القضاء، وأنكروا أن الله جل وعلا يتكلم ويكلم من يشاء كلاماً حقيقياً، إلى غير ذلك، وهذا كله تأثر بدعاية هؤلاء المبطلين، ولكن الذي يتبع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعصمه الله جل وعلا بذلك.