للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معجزات النبي صلى الله عليه وسلم]

قال الشارح: [قوله: (يفتح الله على يديه) صريح في البشارة بحصول الفتح، فهو علم من أعلام النبوة.

وقوله: (فبات الناس يدوكون ليلتهم) بنصب (ليلتهم)، و (يدوكون) قال المصنف: يخوضون.

أي: فيمن يدفعها إليه.

وفيه حرص الصحابة على الخير واهتمامهم به، وعلو مرتبتهم في العلم والإيمان].

قوله: (يفتح الله على يديه) فيه علم من أعلام النبوة، والمقصود بأعلام النبوة: العلامات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم بإخباره بالمستقبل.

فمثل هذا أمر مستقبل لا يعلمه إلا علام الغيوب، فالله جل وعلا يعلم الغيب، ويطلع على بعض الغيب رسله؛ ليكون ذلك دليلاً على أنهم صادقون في إرسالهم من عند الله جل وعلا، كما قال الله جل وعلا: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} [الجن:٢٧ - ٢٨]، بهذا يتبين أنهم رسل من عند الله، أي أنهم إذا أخبروا بالأمور التي لا قدرة على البشر للوصول إليها كأخبار المستقبل علم صدقهم.

وهذا شيء كثير جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبار نبوته واضحة جداً، ومن أول دعوته إلى آخر دعوته كلها علامات بينة وظاهرة.

والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى قوم كفار مخالفين له في العقيدة والاتباع، ثم عادوه أشد المعاداة حينما دعاهم إلى ترك ما كانوا عليه، فصار يتوعدهم وهو وحده ليس معه قوة ولا أعداد، ويقول: إن لم تؤمنوا بما جئت به وتتبعوني وإلا سوف أقتلكم ثم تكون عاقبتكم إلى النار.

وهذا لا يمكن أن يقوله إلا من هو واثق بالله جل وعلا، وبأنه أخبره بأن هذا سيقع ولا بد، إن العاقل لا يمكن أن يأتي إلى قوم أعداء له وهو ليس معه قوة وليس بيده سلطان ثم يتحداهم ويتهددهم ويتوعدهم، فربما يتسلطون عليه فيقتلونه ويؤذونه بأدنى سبب، فيقتلونه لو كان غير واثق، وهذا من علامات نبوته صلوات الله وسلامه عليه.

وهذا أتى عن الرسل كلهم، فقد قال الله جل وعلا عن هود لما توعدوه، وقالوا: إن قولك هذا مخالف لجميع الناس وأنت يجوز أن تكون مجنوناً وقالوا: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود:٥٤] أي: بجنون.

وآلهتهم: أصنامهم.

يقولون: أصابتك بعض أصنامنا بسوء.

فتحداهم وقال: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود:٥٤ - ٥٥] يعني: كل الكيد الذي عندكم اجتمعوا عليه، واستعينوا بأصنامكم وآلهتكم ثم لا تمهلوني ساعة، يقول هذا الكلام وهو وحده، وهكذا الرسل كلهم من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم يأتون بالتحدي لقومهم وأحدهم وحده؛ لأنه واثق بأن الله ناصره وهو معه، ولن يصلوا إليه، فهذا من أعظم علامات ودلائل النبوة.