للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الإيمان بالقدر]

قال الشارح: [وفيه دليل على الشهادتين.

وقوله: (فأعطاه الراية) قال المصنف: فيه الإيمان بالقدر؛ لحصولها لمن لم يسع ومنعها عمن سعى].

الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان.

وقوله (فيه الإيمان بالقدر؛ لحصولها لمن لم يسع، ومنعها عمن سعى) أي: الذين تعرضوا لها وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يتطاولون عنده لعله يراهم فيدفع لهم الراية، فمنعوها، وسأل عن علي الذي لم يكن موجوداً فقال: (أين علي بن أبي طالب؟) فدفعت إليه وهو ليس مع الموجودين، يقول: إن هذا يدلنا على وجوب الإيمان بالقدر؛ لأن الشيء الذي قدره الله لابد من حصوله، وهذا لا ينافي فعل الأسباب، بل يدعو إلى أن الإنسان يفعل السبب؛ لأن الإنسان مأمور بفعل السبب، وفعل السبب لا يتأتى به المطلوب على كل حال؛ لأنه إن كان قدر الله جل وعلا ذلك وقع المسبب مطابقاً للسبب ووقع كما قدره الله، وإن لم يقدره الله أتت أمور وأسباب أخرى تمنع وقوعه.

ثم إن الإنسان إذا عمل السبب ولم يحصل له المراد فلا يجوز أن يلوم نفسه، ولا أن يقول: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا؛ لأنه فعل الذي في مقدوره، ثم تبين أنه ما استطاع؛ لأن هذا ليس بقدرته، بخلاف ما إذا جلس ولم يعمل السبب فإنه يكون عاجزاً؛ لأن ترك الأسباب عجز، بل ومنافٍ ومخالف للشرع؛ لأن الله أمر بفعل الأسباب، والقدر عبارة عن الإيمان بعلم الله الأزلي، فإنه علم كل شيء، وكتابته للأشياء التي تقع؛ لأنه جاء في الحديث: (إن الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) والكتابة هي لكل شيء، فكل صغيرة وحقيرة قد كتبت، وكل ما يقع فهو مكتوب، فلا يقع شيء إلا ما كتب في ذلك الكتاب، ثم كذلك الله جل وعلا هو الذي مشيئته نافذة، فإذا شاء وجود شيء وجد، وإذا شاء ألا يوجد لا يوجد، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠]، ثم كذلك الله جل وعلا هو الخالق وحده، وكل ما سواه مخلوق، تعالى الله وتقدس.