للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوحيد أول واجب على العبيد]

[السابعة: كون التوحيد أول واجب].

التوحيد هو أول واجب، وهو أول ما يُدعى إليه، فعندما يبدأ الداعي إلى الله جل وعلا بالدعوة فإنه يبدأ بالأصل الذي يُبنى عليه غيره، وكل الأعمال تبنى على التوحيد، والتوحيد معناه أن يكون العمل لله وحده، وأن تُخلص العبادة لله جل وعلا وحده، ولذلك الإنسان إذا كان يعبد الله ويبعد معه غيره فعمله غير مقبول بل كل عمله مردود؛ لأن المشرك لا يقبل منه عمل، فلابد أن يبدأ بما يصحح العمل أولاً، ثم بعد ذلك يبنى على أساس صحيح، فإذا جاءت الأعمال من المخلص الموحد ولو كانت قليلة فهي نافعة، أما الأعمال الكثيرة ممن لا يخلص دعوته وعبادته لله جل وعلا فهي مردودة غير مقبولة.

وهذا معنى قول العلماء: إن الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن تكون العبادة لله وحده، ولا يكون فيها شيء لغيره.

الأصل الثاني: أن تكون العبادة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا تخلف واحد من هذين الأصلين فإن العبادة مردودة غير معتبرة وغير مقبولة، فإن كانت على غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد تكون بدعة، وقد تكون شركاً فتكون مردودة؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه.

ثم إن كون أول ما يبدأ به هو التوحيد هذا إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أول ما بدأ دعوته قال للناس: (قولوا: لا إله إلا الله)، وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) وكذلك الرسل قبله كانوا أول ما يبدأون دعوتهم به هو أن يدعوا إلى عبادة الله وحده جل وعلا، كما قص الله علينا في القرآن أن كل واحد منهم كان يقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، وهذا معنى قولنا: لا إله إلا الله.

فقوله جل وعلا الذي ذكره عنه عن الرسل: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون:٣٢] قوله ((اعبدوا الله)) هو معنى (إلا الله)، وقوله: ((ما لكم من إله غيره)) معنى (لا إله).

فالرسل من أولهم إلى آخرهم أصل دينهم واحد، وكلهم جاؤوا بالدعوة إلى عبادة الله وحده جل وعلا، ودليل قول المصنف ما تقدم في هذا الحديث أنه قال لـ معاذ: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله)، وكذلك قوله لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أعطاه الراية قال له: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام)، فالدعاء إلى الإسلام هو الدعاء إلى التوحيد وإلى شهادة ألا إله إلا الله، وهذا هو الذي يجب على الداعي الذي يترسم خطا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله وأن يبدأ به أولاً، أما قول القائل: إني أبدأ بتحسين أخلاق الناس وبسلوكهم، ثم بعد ذلك يمكن أن يعرفوا التوحيد فإن هذا لا يصلح؛ لأن العمل إذا لم يكن على التوحيد وعلى دين صافٍ فإنه محبط وباطل ولا فائدة فيه، بل يكون تعباً بلا فائدة، كما قال الله جل وعلا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:٢ - ٤]، وهذا في الذين يتعبدون على غير أساس، إما لأنهم غير مخلصين لله جل وعلا، أو لأنهم لا يتعبدون على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ويتعبدون بالبدع، وكل واحد من هذين الأمرين يكفي في إحباط العمل، وإن كان الإنسان يخشع وإن كان يتعب وهو على هذه الطريقة فعمله مردود، فكل الاهتمام يجب أن يكون في إخلاص العمل، وفي كونه صواباً، كما قال جل وعلا: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:٧] قال بعض السلف في تفسير هذه الآية: يعني: أيكم أصوبه وأخلصه؛ فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لا يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لا يقبل يعني أنه إذا كان على السنة ولم يكن خالصاً لله فهو مردود، وإن كان خالصاً لله وليس على السنة فهو مردود، فلابد أن يكون خالصاً موافقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.