للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن كرائم الأموال]

قال المصنف رحمه الله: [المسألة الخامسة عشرة: النهي عن كرائم الأموال].

كرائم الأموال هي أطايبه وأحاسنه، وهذا يكون في زكاة بهيمة الأنعام، وكذلك في الثمار، أما النقود فهي تتساوى، والزكاة تجب في الخارج من الأرض، وتجب في الإبل وفي الغنم وفي البقر، وتجب كذلك في عروض التجارة، وتجب في النقدين الذهب والفضة، وكذلك أبدال الذهب والفضة من الأوراق النقدية، فهذه هي الأموال التي يجب فيه الزكاة، فتزكى الثمار والحبوب والتمور وغيرها مما فيه الزكاة، وهكذا سائمة الأنعام؛ لأن الزكاة في الأنعام ما تجب إلا إذا كانت سائمة في الحول أو أكثره، والسوم معناه ان ترعي بنفسها وما تتطلب علفاً، فلو كان إنسان له أغنام وضعها في حوش وصار ينفق عليها ويأتيها بالأعلاف فهذه ليست سائمة، ولا تجب فيها الزكاة، وإنما تجب فيها إذا باعها وصارت تجارة، وإنما التي يجب فيها الزكاة إذا كانت ترعى الحول أو أكثره.

ثم هذه هي التي فيها الكرائم لا يجوز للمُصَّدِّق العامل الذي يأخذ الزكاة أن يأخذ أطيبها وأكرمها، سواءٌ أكانت غنماً أم إبلاً أم بقراً، بل يجب عليه أن يأخذ الأوسط، لا يأخذ الأدنى الرديء، ولا يأخذ الأعلى الجيد، إلا أن يجود صاحب المال بما هو أجود وأطيب، فإذا جادت نفسه بذلك وأخرجه هو بنفسه وقال: خذوا هذا فيقول له العامل: هذا لا يجب عليك، والذي يجب عليك أقل من هذا.

فيقول له: هذا ولا بد.

فإذا قال: وإن كان فأنا طيبة نفسي بهذا فخذوه لأنه لله يأخذه العامل ولا يرده عليه.

أما إذا أخذ شيئاً طيباً بدون اختياره فهذا ظلم، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وإياك وكرائم أموالهم) يعني: لا تأخذ في الزكاة من الكرائم والنفائس.

وقالوا: الكريمة: هي كبيرة الجرم، وكثيرة الشعر، وكثيرة اللحم والشحم، وغزيرة اللبن، وحسنة المنظر، فهي تكون أكثر قيمة من غيرها.

هذه هي الكريمة، فلا يجوز أن تؤخذ وإنما يؤخذ الوسط.

وكذلك في الثمار مثل الحبوب والتمور لا يأخذ من الأعلى ولا يأخذ من الأدنى، بل يأخذ من الوسط، وإذا كانت متنوعة يخرج من كل نوع قدره، هذا هو العدل، فمثلاً التمور بعضها قد يساوي الكيلو مائة ريال، وبعضها يساوي خمسة ريالات، فلا يأخذ من هذا ولا من هذا، وإنما يأخذ من هذا قدره ومن هذا قدره فقط، فإن كانت تموره أغلبها جيدٌ يجعل الرديء على حِدَة ويأخذ منه بقدره إذا كان يبلغ نصاباً، وإلا أخذ من المتوسط فقط.

وهكذا في الغنم لا يأخذ التيس الرديء أو العنز الجرباء، لا يجوز هذا، ولا يأخذ الكريمة الغالية الجيدة كثيرة اللبن، وإنما يأخذ الوسط، هذا هو العدل، والعدل هو الذي يحبه الله جل وعلا وقامت به السماوات والأرض، ومن العدل اتقاء الله، واجتناب مواقع العذاب التي هي دعاء المظلومين؛ فإن دعاء المظلوم مستجاب.