للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب وقوع الشرك]

السبب في وقوع الشرك هو التعلق بالصالحين، وهكذا غير الصالحين مثل الأصنام التي يعبدها الكفار، سواء الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الكفار الذين بعث إليهم إبراهيم عليه السلام، أو غيرهم الذين بعث إليهم جميع الرسل، كلهم كان لهم أصنام يتشفعون بها فقط، وما كان أحد يعتقد أن الصنم شريك لله جل وعلا في خلق السموات والأرض وفي التدبير وفي الإحياء والإماتة وإنزال المطر وإنبات النبات وغير ذلك، هذا ما وجد في الناس أصلاً، وإنما عبادتهم لهم أنهم يجعلونهم شفعاء، كما قال الله عنهم: {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر:٤٣] يعني: هذه المعبودات اتخذوها شفعاء وزعموا أنها تشفع لهم عند الل.

وقال الله عنهم في الآية الأخرى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] يعني: يشفعوا لنا عند الله.

فهذا هو الشرك الذي وقع فيه المشركون، ولا يتصور أن شركهم أنهم يسجدون للأصنام والحجارة ويعتقدون أنها تدبر الأمور وتتصرف في الكون، هذا ما وقع، وهم أعقل من ذلك، بل كانوا إذا وقعوا في الشدائد والكروب تركوا هذه الأصنام أصلاً ولجاؤا إلى الله وحده، وعلموا أنه لا يجيبهم ويكشف ما بهم إلا الله وحده، ولهذا احتج الله عليهم بذلك، كما قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] يعني: هل أحد غير الله؟ أقروا أنه الله وحده، وكذلك أخبر الله جل وعلا أنهم إذا سئلوا: من خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله.

وإذا سئلوا: من خلقكم؟ قالوا: الله.

وإذا سئلوا: من بيده ملكوت السموات والأرض؟ قالوا: الله.

فهم مقرون أن الذي يملك ما في السموات وما في الأرض هو الله، وكل هذا ظاهر جلي في القصص التي قصها ربنا علينا في القرآن عن الأمم السابقة والأنبياء.

إذاً: فشرك المشركين هو في كونهم يدعون المعبودات التي يعبدونها ويدعونها لتشفع لهم فقط، سواءٌ أكانت المعبودات حجارة أم أشجاراً أم مياهاً أم أشخاصاً أم أمواتاً أم ملائكة أم جناً أم أنبياءً أم غير ذلك، فهذه هي عبادتهم، وهذا يجب على المسلم أن يتعرف عليه ويعرفه؛ لأن الله جل وعلا أخبرنا أنه لا يغفر أن يشرك به، وأن المشرك إذا مات مشركاً فهو خالد في النار، وأن الجنة عليه حرام، وأنه ليس بخارج من النار، وهذا أمر عظيم جداً، فإذا كان الأمر هكذا فيتعين على العاقل أن يتعرف على الشرك خوفاً من أن يقع فيه وهو لا يدري؛ لأنه قد يقع الإنسان في الباطل وهو لا يظن أنه باطل لجهل الأمر، والعاصم من ذلك فهم كتاب الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان يعتصم بهذا -إذا عصمه الله جل وعلا- بفهمه وعلمه، وإلا فالإنسان قد يستطيع أن يفسر كلام الله ويبين دليله من اللغة وهو مخالف له، فقد وقع في هذا كثير من الناس، فالأمر ليس سهلاً.

فالمقصود أن شرك المشركين هو من هذا القبيل فقط، ما كان أحدهم يتصور -فضلاً عن الاعتقاد- أن شيئاً من المخلوقات يحيي أو يميت أو ينزل المطر أو ينبت النبات ويتصرف مع الله جل وعلا.

وكل هذا من باب القياس، وذلك أن بني آدم علموا أن العظماء والرؤساء والملوك عندهم من يقوم بتوصيل ما يحتاجون إليه، وأكثر الناس لا يستطيع أن يواجههم وأن يأتي إليهم، وإذا أتى إليهم قد لا يحصل على شيء، فقالوا: لابد من اتخاذ الوسائط والشفعاء الذين لهم مقام عند الرئيس وعند الملك حتى يكلموه وحتى يشفعوا عنده، وبذلك يحصل المقصود.

فهم جعلوا هذا لرب العالمين، وقاسوا الخالق جل وعلا على المخلوق، وهذا هو الشرك الأكبر، هو تشبيه الخالق جل وعلا بالمخلوق، أو تشبيه المخلوق بالخالق، فهذا يتعالى الله عنه ويتقدس؛ إذ ليس بينه وبين عبده واسطة، أينما كنت اتجه إلى ربك فهو يراك ويسمعك، وهو أقرب إليك من كل أحد إذا أخلصت له ودعوت، ولا تجعل بينك وبين ربك وساطة، ولا يجوز أن يكون بين العبد وبين ربه وسائط إلا واسطة واحدة وهي الرسول صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر في تبليغ أمر الله فقط، في تبليغ شرع الله ودينه؛ لأن الله جل وعلا يوحي إلى من يشاء من الرسل فقط، ولا يكلم أحداً من الناس، وإنما يكلم الرسل إذا شاء من وراء حجاب أو بالوحي، فهم الوساطة بين الخلق وبين ربهم جل وعلا في تبيلغ أمره ودينه وشرعه.

أما في الدعاء والتوجه والطلب فليس بين الله جل وعلا وبين الخلق وسائط، فمن جعل وسائط بينه وبين الله فقد وقع فيما وقع فيه المشركون الذين عبدوا مع الله غيره.