للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرك في حب الله يكون شركاً منافياً للتوحيد

قال الشارح رحمه الله: [وكل من اتخذ نداً لله يدعوه من دون الله ويرغب إليه ويرجوه لما يؤمله منه من قضاء حاجاته وتفريج كرباته كحال عباد القبور والطواغيت والأصنام فلابد أن يعظموهم ويحبوهم لذلك؛ فإنهم أحبوهم مع الله، وإن كانوا يحبون الله تعالى ويقولون: (لا إله إلا الله) ويصلون ويصومون فقد أشركوا بالله في المحبة بمحبة غيره وعبادة غيره، فاتخاذهم الأنداد يحبونهم كحب الله يبطل كل قول يقولونه، ويبطل كل عمل يعملونه؛ لأن المشرك لا يقبل منه عمل ولا يصح منه، وهؤلاء وإن قالوا: لا إله إلا الله فقد تركوا كل قيد قيدت به هذه الكلمة العظيمة من العلم بمدلولها؛ لأن المشرك جاهل بمعناها، ومن جهله بمعناها جعل لله شريكاً في المحبة وغيرها، وهذا هو الجهل المنافي للعلم بما دلت عليه من الإخلاص، ولم يكن صادقاً في قولها؛ لأنه لم ينفٍ ما نفته من الشرك، ولم يثبت ما أثبتته من الإخلاص، وترك اليقين أيضاً؛ لأنه لو عرف معناها وما دلت عليه لأنكره أو شك فيه، ولم يقبله وهو الحق، ولم يكفر بما يعبد من دون الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]؛ لأنهم أخلصوا له الحب فلم يحبوا إلا إياه، ويحبون من أحب، ويخلصون أعمالهم جميعاً لله، ويكفرون بما عبد من دون الله.

فبهذا يتبين لمن وفقه الله تعالى لمعرفة الحق وقبوله دلالة هذه الآية العظيمة على معنى شهادة ألا إله إلا الله، وعلى التوحيد الذي هو معناها الذي دعا إليه جميع المرسلين، فتدبر].

يعني أن الحب مع الله يكون شركاً منافياً للتوحيد، فيجب أن يكون الحب خالصاً لله جل وعلا، وحب عباد الله الصالحين متعين، ولكن مثلما سبق أن عباد الله الصالحين يحبون لله لا يحبون معه، فمعنى محبتهم أنها مكملة لمحبة الله جل وعلا.

وأما قوله: (فقد تركوا كل قيد قيدت به هذه الكلمة العظيمة) فالقيود التي قيدت بها هذه الكلمة جاءت في الأحاديث الصحيحة وفي الآيات، كقوله جل وعلا: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦] يعني: لابد أن يكون عالماً بمعنى هذه الكلمة، (شهد بالحق) الذي هو لا إله إلا الله، (وهم يعلمون) هذه الشهادة ومعناها وحقيقتها حتى لا يخالفوها.

وكذلك قيدت باليقين، فيكون الإنسان موقناً بذلك، والذي يدعو مع الله غيره يكون غير موقن، بل يكون غير عالم بها، وكثير من الناس يغتر؛ لأنه جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)، والمقصود بقول: (لا إله إلا الله) نفي العبادة عن غيره جل وعلا وإثباتها له، فمن مات وهو لا يعبد إلا الله وحده فإنه يكون من أهل الجنة، ولكن إذا كان يقول: (لا إله إلا الله) وهو يدعو غير الله معه فهذه الكلمة تكون لا فائدة في قوله لها؛ لأنه يأتي بالفعل الذي ينافي هذا القول.

وكذلك كونه لا يكفر بما يعبد من دون الله، فإن هذا قيد من القيود التي قيدت به هذه الكلمة، لابد لمن يقول: (لا إله إلا الله) أن يكفر بما يعبد من دون الله، أما إذا آمن بالمعبودات من دون الله فقد ناقض هذا القول.

والمقصود أنه يجب على العبد أن يتعرف على معنى كلمة التوحيد، وعلى القيود التي قيدت بها وشروطها، ومنها أنه لابد أن يكون القائل لها عالماً بها ولمدلولها، صادقاً فيها، والصدق معناه أن يقولها صادقاً لا متردداً أو شاكاً فيها.

ولابد أن يكون محباً لها الحب الذي ينافي البغض لمدلولها وما دلت عليه، فمن أبغض شيئاً مما دلت عليه فهو لم يأت بهذه الكلمة على الوجه المطلوب.

وكذلك لابد أن يكون مخلصاً في قولها، فمن وقع في الشرك وقالها لا تفيده، ولابد أن يكون أيضاً منقاداً لها مذعناً، فلو قال -مثلاً-: (لا إله إلا الله) ولم ينقده لما دلت عليه من الفرائض والواجبات التي أوجبها الله جل وعلا فهذا لم يأت بها على الوجه المطلوب، ولم يحصل على ما وعد من دخول الجنة لمن قالها، إلى غير ذلك من القيود التي قيدت بها هذه الكلمة.