للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حب المشركين لأندادهم كحب الله]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [روى ابن جرير عن مجاهد رحمهما الله في قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥] مباهاة ومضاهاة للحق سبحانه بالأنداد {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] من الكفار لأوثانهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: آية البقرة في الكفار الذين قال تعالى فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧] ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً فلم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟! فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده؟! انتهى كلامه رحمه الله].

قول الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] تقدم أن الند يكون في صفة من الصفات، ولا يلزم أن يكون مماثلاً لله جل وعلا من كل وجه، وهذا لا يقوله أحد.

وهذه الآية بينت أن الند الذي يتخذ هو في الحب فقط؛ ولهذا قال: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) والمعنى: يحبون هذه الأنداد كمحبتهم لله تعالى، وهذا هو الشرك الذي جعلهم إذا ماتوا عليه خالدين في النار، وأحل دماءهم وأموالهم، فهم قسموا الحب الواجب لله جل وعلا الذي يتضمن الذل والخضوع والتعظيم، وجعلوه لمخلوق، فصاروا مشركين بذلك، وسبق أنه ليس في العالم من يقول: إن أحداً من الخلق يساوي الله جل وعلا في التصرف من الإيجاد أو الإحياء أو في الملك أو في المشيئة أو في القدرة أو ما أشبه ذلك، وإنما يكون في جزء، وهو الأمر الذي يصدر من الناس.

أما الأمور الصادرة من الله جل وعلا التي يفعلها وحده فليس هناك من بني آدم من جعل لله فيها نداً، وإنما الند يكون فيما يصدر من المخلوق نفسه، مثل الحب والدعاء والخضوع والذل والذبح والنذر، وما أشبه ذلك من الأمور التي يتعبد بها الإنسان، فإذا جعل شيئاً منها لغير الله جل وعلا فقد اتخذ ذلك الذي جعل له هذا الشيء نداً لله؛ لأن العبادة يجب أن تكون لله وحده، فهي خالص حق الله جل وعلا، والله جل وعلا خلق العباد، ليخلصوا له العبادة، كما قال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] قضى: أمر وأوجب وألزم أن تكون العبادة له وحده، ولا يكون لغيره شيء منها.

وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) هذا مركب على المعنى السابق، وذلك أن المؤمنين أخلصوا حبهم لله جل وعلا، ولم يوزعوه بين ربهم جل وعلا وبين المخلوقات، فصار الحب الذي هو لله وحده أشد من الحب الذي يكون موزعاً مقسوماً بين الرب جل وعلا وبين المعبودات الأخرى، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى أن أصل الحب الذي يكون عند المؤمن لا يمكن أن يكون مساوياً للحب الذي يكون عند المشرك، وذلك أن المؤمن عرف حق الله، وعرف وجوب محبته الحب الخضوعي، الحب الذي يتضمن الخوف والذل والتعظيم، عرف أن هذا يجب أن يكون لله، وأنه خالص حق الله، فصار لو خير بين أن يجعل شيئاً من هذا الحب لغير الله وأن يقتل لاختار القتل، ولو خير إما أن يجعل هذا الحب لغير الله أو يلقى في النار لاختار أن يلقى في النار، ولا يجعل شيئاً من هذا الحب لغير الله، فحب الله في قلبه عظيم جداً، ولا يساوي الحب الذي يصدر من المخلوق للمخلوق، وذلك أن هذا حب للعبادة الذي إذا تحلى القلب به أصبح يختاره على نفسه، وعلى ما دون النفس من جميع ما يملكه في الدنيا؛ فلهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا وصل الإيمان إلى قلبه أن الله جل وعلا ورسوله يكون أحب إليه مما سواهما، وأنه يحب أن يلقى في النار ولا يكفر بالله جل وعلا؛ من هذه المحبة التي تحلى القلب بها، فالذين آمنوا لا يقاس حبهم مع من أحب صنماً أو قبراً أو شخصاً أو غير ذلك من الحب الذي يكون قادحاً في محبة الله جل وعلا وفي عبادته.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [روى ابن جرير عن مجاهد رحمهما الله في قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥] مباهاة ومضاهاة للحق سبحانه بالأنداد {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] من الكفار لأوثانهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: آية البقرة في الكفار الذين قال تعالى فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧] ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً فلم يدخلهم في الإسلام فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟! فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده؟! انتهى كلامه رحمه الله].

في هذه الآية يعني: قول الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] تقدم أن الند يكون في صفة من الصفات ولا يلزم أن يكون مماثلاً لله جل وعلا من كل وجه، وهذا لا يقوله أحد.

وهذه الآية بينت أن الند الذي يتخذ هو في الحب فقط؛ ولهذا قال: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) والمعنى: يحبون هذه الأنداد كمحبتهم لله تعالى، وهذا هو الشرك الذي جعلهم إذا ماتوا عليه خالدين في النار، وأحل دماءهم وأموالهم، فهم قسموا الحب الواجب لله جل وعلا الذي يتضمن الذل والخضوع والتعظيم، وجعلوه لمخلوق، فصاروا مشركين بذلك، وسبق أنه ليس في العالم من يقول: إن أحداً من الخلق يساوي الله جل وعلا في التصرف من الإيجاد أو الإحياء أو في الملك أو في المشيئة أو في القدرة أو ما أشبه ذلك، وإنما يكون في جزء وهو الأمر الذي يصدر من الناس.

أما الأمور الصادرة من الله جل وعلا التي يفعلها فليس هناك من بني آدم جعل لله فيه نداً، وإنما الند يكون فيما يصدر من المخلوق نفسه، مثل الحب والدعاء والخضوع والذل والذبح والنذر، وما أشبه ذلك من الأمور التي يتعبد بها الإنسان، فإذا جعل شيئاً منها لغير الله جل وعلا فقد اتخذ ذلك الذي جعل له هذا الشيء نداً لله؛ لأن العبادة يجب أن تكون لله وحده، فهي خالص حق الله جل وعلا، والله جل وعلا خلق العباد لهذا، ليخلصوا له العبادة، كما قال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] قضى: أمر وأوجب وألزم أن تكون العبادة له وحده، ولا يكون لغيره شيء منها.

وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) هذا مركب على المعنى السابق، وذلك أن المؤمنين أخلصوا حبهم لله جل وعلا، ولم يوزعوه بين ربهم جل وعلا وبين المخلوقات، فصار الحب الذي هو لله وحده أشد من الحب الذي يكون موزعاً مقسوماً بين الرب جل وعلا وبين المعبودات الأخرى، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى أن أصل الحب الذي يكون عند المؤمن لا يمكن أن يكون مساوياً للحب الذي يكون عند المشرك، وذلك أن المؤمن عرف حق الله، وعرف وجوب محبته الحب الخضوعي، الحب الذي يتضمن الخوف والذل والتعظيم، عرف أن هذا يجب أن يكون لله، وأنه خالص حق الله، فصار لو أنه مثلاً خير بين أن يجعل شيئاً من هذا الحب لغير الله وأن يقتل لاختار القتل، ولو خير إما أن يجعل هذا الحب لغير الله أو يلقى في النار لاختار أن يلقى في النار، ولا يجعل شيئاً من هذا الحب لغير الله، فحب الله في قلبه عظيم جداً، ولا يساوي الحب الذي يصدر من المخلوق للمخلوق، وذلك أن هذا حب للعبادة الذي إذا تحلى القلب به أصبح يختاره على نفسه، وعلى ما دون النفس من جميع ما يملكه في الدنيا؛ فلهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا وصل الإيمان إلى قلبه أن الله جل وعلا ورسوله يكون أحب إليه مما سواهما، وأنه يحب أن يلقى في النار ولا يكفر بالله جل وعلا من هذه المحبة التي تحلى القلب بها، فالذين آمنوا لا يقاس حبهم مع من أحب صنماً أو قبراً أو شخصاً أو غير ذلك من الحب الذي يكون قادحاً في محبة الله جل وعلا وفي عبادته.