للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المحبة الخالصة لله وحده]

قوله: إن المحبة الخاصة يجب أن تكون لله، قصده بالخاصة التي يختص بها الله جل وعلا، وهي محبة العبادة وقلنا: إن المحبة التي تكون لله يجب أن تتضمن الذل والتعظيم، لأن الإنسان قد يحب محبوباً فإذا كان يحبه وهو ذال له معظم له، فهذا يكون عبادة، أما إذا كان يحبه لحظ نفسه، لأمر من الأمور، ولكنه لا يخضع له، ولا يعظمه، ولا يذل له ويستكين له، فإن هذا حب لا يكون عبادة.

وسبق أن قلنا: إن الحب ينقسم إلى قسمين: حب يكون خاصاً، وهذا يجب أن يكون خالصاً لله، وهو حب العبادة الذي فيه الذل والتعظيم.

وحب يكون مشتركاً بين الخلق كلهم حتى البهائم، وهذا أقسام: منه -مثلاً- حب الألفة والمصاحبة، إذا صاحب إنسان إنساناً وألفه، وكان معه في عمل من الأعمال أو في مكان من الأمكنة، وطال التردد وكثر الاجتماع؛ فإنه تحصل محبة بينهم، وهذا مشترك بين الخلق كلهم حتى البهائم، البهيمة إذا أخذت من بين البهائم صارت تصيح وتحن إلى إلفها، ولا تسكن حتى ترجع إلى المكان الذي أخذت منه، فالمقصود أن هذا مشترك بين الخلق.

ونوع آخر من الحب وهو حب يتضمن حاجة كحب الطعام، وحب الشراب، فإذا حصل له حاجته أصبح لا يحبه.

وحب يتضمن رحمة ورأفة كحب الصغير وحب الضعيف وحب المسكين، ومنه حب الولد، فإن هذا حب حنان ورحمة.

ومنه أيضاً: حب تقدير وإجلال كحب الوالد مثلاً، يقدره ويجله، ولكنه لا يتضمن الذل والخضوع، يقدر ويجل بحيث يعمل معه الأدب، ولكن لا يسجد له، ولا يخضع له، ومن هذا القبيل أيضاً حب الزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها، فهذه الأنواع كلها لا لوم على الإنسان في شيء منها، فهي مشتركة بين الخلق، ولا بد منها.

وإنما الذي يجب أن يكون لله هو الحب الخاص، وهو حب العبادة، حب الذل والتعظيم والخضوع الذي يتضمن استكانة القلب وذله، وخضوع الجسم والجوارح، فهذا يجب أن يكون خالصاً لله جل وعلا، ولا يجوز أن يكون لمخلوق من المخلوقات، أحد الصحابة رجع من سفر رأى فيه بعض الأعاجم يسجدون لعظمائهم وملوكهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا نسجد لك فأنت أولى من أولئك؟ قال (لا، السجود لله، ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها) ولكن العبادة يجب أن تكون لله وحده، لا يكون لمخلوق منها شيء، والعبادة إذا خلت من الحب والذل والتعظيم فليست عبادة، ولا تكون عبادة إلا بذلك.

أما كون الإنسان يحب ما يحتاجه فهذا من الحب الطبيعي الذي لا يؤاخذ عليه؛ لأن الله جل وعلا خلق الناس على هذا الشيء، وعين العبادة وحددها وبينها حتى يعمل عباد الله على أمر الله، ويجتنبون نهيه، وكل هذا مأخوذ من معاني النصوص التي دلت عليه من كتاب الله، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.