للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكفر بما يعبد من دون الله]

قال المصنف رحمه الله: [وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرم ماله ودمه وحسابه على الله)].

هذا الحديث يبين معنى لا إله إلا الله بياناً شافياً؛ فهو من جنس الآيات السابقة، والباب يقول فيه: باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.

فهذا الحديث يفسر شهادة أن لا إله إلا الله؛ وذلك لأنه لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بقول لا إله إلا الله، بل قيد الأمر بشيئين: الأول: قول لا إله إلا الله.

الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، فإذا حصل أحدهما وتخلف الآخر لم يحصل المقصود الذي قصده الرسول صلى الله عليه وسلم، والكفر بما يعبد من دون الله معناه: بغضه والابتعاد عنه بعد التخلي عنه نهائياً، قال الله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤] فهذا هو معنى الكفر بما يعبد من دون الله، أول شيء يتخلى عنه إذا كان يعمل شيئاً منه، ثم يبغضه ويعاديه، ويبغض ويعادي من يفعله، ويتبرأ منه، وإذا لم يحصل ذلك فمعنى ذلك أنه لم يأت بالكفر المطلوب، وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:٢٥٦] فقدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، مما يدل على أن هذا شرط في صحة قول لا إله إلا الله.

فإذا لم يكفر الإنسان بما يعبد من دون الله لا ينفعه قول: لا إله إلا الله، وهذا قيد من القيود التي قيدت به هذه الكلمة، والقيود التي قيدت بها هذه الكلمة كثيرة، ومنها أن يعلم معناها، فيقولها عن علم، كما قال الله جل وعلا: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦] وشهادة الحق هي شهادة أن لا إله إلا الله، وقوله جل وعلا: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جملة حالية، يعني: حالة كونهم يعلمون ما يشهدون به.

وأيضاً الإخلاص فقد جاءت مقيدة به كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، فالإخلاص ينافي الشرك والرياء.

أيضاً اليقين الذي ينافي الشك والتردد.

والانقياد بحيث إن الإنسان يقولها وينقاد لما دلت عليه، أما أن يقولها ويأبى أن يعمل، فهذا لا يفيد.

ومنها الاستسلام والتسليم.

ومنها: الرضا بما دلت عليه.

ومنها: المحبة، أن يحب ذلك ويرضاه، فإذا وجدت هذه القيود فيمن يقول: لا إله إلا الله فهذا الذي يموت مخلصاً، ويلقى الله جل وعلا خالصاً ليس معه شيء من الشرك، ويكون من الذين يسلكون إلى الجنة؛ لأنه إذا قالها بهذه القيود لا يمكن أن يقوم به شرك من الأعمال.