للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير هذا الحديث لمعنى لا إله إلا الله]

هذا الحديث بيان وشرح لقول لا إله إلا الله؛ لأنه قال: (وكفر بما يعبد من دون الله)، والكفر بما يعبد من دون الله يقتضي مجانبته وبغضه وكراهيته، ويتبرأ منه ومن عابده، فلا بد أن يكون الإنسان عاملاً بذلك حتى يصح دينه ويسلم، ويتحصل على الموعود الذي وعد به من قال: لا إله إلا الله بأن يدخل الجنة.

وبهذا يتبين أن الذين يتعلقون بغير الله جل وعلا، ويزعمون أنهم لم يأتوا بمخالفٍ مغرورون، قد اغتروا بجهلهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن غاية البيان، ووضح الأمر، فلا عذر لهم؛ لأنهم لم يعتنوا ببيانه الذي كلفه الله جل وعلا به، وقام به كما ينبغي صلوات الله وسلامه عليه.

ولهذا تجد كثيراً من الناس يتعلق بالصالحين أو بقبورهم أو بغير ذلك، ويزعم أنه لم يأت بمخالف؛ لأنه يعد هذا توسلاً، ويقول: التوسل مشروع، وقد سبق أن التوسل الذي أمر الله به هو فعل الطاعة ابتغاء الوسيلة إلى الله، فيطيع الله جل وعلا ويتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، أما التعلق بغير الله جل وعلا فهو تأله، والتأله يجب أن يكون لله وحده، ولا يجوز أن يتعلق القلب بغير الله تعالى، فإن وجد التعلق بغير الله جل وعلا فإما أن يكون ذلك منافياً للتوحيد بالكلية، أو منقصاً له وخادشاً له، ويصبح الإنسان معرضاً لعذاب الله جل وعلا.

يعني: إذا كان التعلق من نوع الشرك الأكبر فهو منافياً للتوحيد، ومن مات على الشرك الأكبر فهو من أهل النار بلا تردد قطعاً؛ لأن الله جل وعلا يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:٤٨] أما إذا كان ليس من الشرك الأكبر كتعليق التميمة، وطلب البركة من موضع أو ما أشبه ذلك، فإن هذا قد يكون أكبر وقد يكون أصغر كما سيأتي، ويكون بحسب ما يقوم بقلب الإنسان، ويترتب عليه النقص أو المنافاة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

والواجب على العبد أن يخلص دينه لله جل وعلا، وأن يكون الدين خالصاً لله جل وعلا، وتعلق القلب كله بالله جل وعلا، وألا يتعلق بشيء من المخلوقات التي لا تنفع ولا تضر، فكلها مخلوقة ضعيفة، والله جل وعلا يتصرف فيها كيف يشاء، وكل مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره دفعاً ولا نفعاً، ولكن كثير من الجهال يغترون بالأوضاع التي يجدون عليها أهل زمانهم، والأوضاع ليست دليلاً على الدين، الدين هو ما جاء به رسول صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يتعرف على ذلك ويحرص عليه.