للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل بما دلت عليه كلمة الإخلاص]

قال الشارح رحمه الله: [وهذان الحديثان تفسير الآيتين: آية الأنفال وآية براءة، وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلا الله، ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها؛ أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات.

قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله في قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف.

وقال القاضي عياض: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل الأوثان، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفى في عصمته بقول: لا إله إلا الله إذ كان يقولها في كفره.

انتهى ملخصاً.

وقال النووي: لابد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية (ويؤمنوا بي وبما جئت به) وقال شيخ الإسلام لما سئل عن قتال التتار فقال: كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم، قال: فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء أو الأموال أو الخمر أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو غير ذلك من التزام واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، قال: وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة، بل هم خارجون عن الإسلام.

انتهى.

قوله: (وحسابه على الله) أي: الله تبارك وتعالى هو الذي يتولى حساب الذي يشهد بلسانه بهذه الشهادة، فإن كان صادقاً جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقاً عذبه العذاب الأليم، وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر، فمن أتى بالتوحيد، ولم يأت بما ينافيه ظاهراً، والتزم شرائع الإسلام وجب الكف عنه].

هذا يدل على أن الحكم على الظاهر في الدنيا، أما ما في القلب فأمره إلى الله جل وعلا، إن كان الإنسان صادقاً في قوله وعمله، فهذا هو المخلص الذي يكون فائزاً بوعد الله جل وعلا، وبجزائه يوم الدين.

أما إن كان في قلبه خلاف ما يظهره بعمله وبقوله، فسوف يحاسبه الله جل وعلا على ذلك يوم يلقاه، وليس له من أجر ثوابه وعمله شيء، وإنما يعاقب عقاب الكفار والمنافقين؛ لأن الأعمال الظاهرة تكون تبعاً لما في القلب الباطن.

ولهذا أخبر الله جل وعلا أن الذي يريد الدنيا وزينتها ليس له في الآخرة من نصيب، ومعنى يريد: أن تكون نيته وقصده، وإن عمل بخلاف ما في قلبه موافقاً ما جاء به الشرع، فإنما العبرة عند الله جل وعلا بالإرادة وبالنية والقصد، والعبرة عند المسلمين على الأحكام الظاهرة، فمن أظهر خيراً وجبت محبته وأخوته، وإن كان مبطناً شراً فالله يتولى حسابه، فهو الذي يحاسبه على ذلك فيصبح من المنافقين الذين يظهرون الخير ويبطنون الشر، وهم شر من الكفار الذين يصرحون بالكفر ويظهرونه، وإذا كان يوم القيامة صاروا تحتهم في طبقات النار كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥]، وقد كانوا يصلون مع المسلمين ويجاهدون ويؤدون الزكاة ومع ذلك يكونون في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم أظهروا وفاقاً وأبطنوا نفاقاً، وهم يخادعون الله والذين آمنوا ولا يخدعون إلا أنفسهم، يظنون أنهم يخادعون وأنهم أهل العقل، وهم في الواقع أطاعوا شياطينهم وغروا أنفسهم، وسولت لهم أنفسهم أمراً قادهم إلى جهنم -نسأل الله العافية-.

وعلى هذا فالكفار الأصليون الذين لم يدخلوا في الإسلام إذا قال أحدهم: لا إله إلا الله وجب الكف عنه حتى ينظر هل يلتزم بما دلت عليه هذه الكلمة أو لا يلتزم؟ فإن التزم بذلك وحكم بإسلامه، وإلا لم يفده مجرد قوله: لا إله إلا الله، فمجرد القول لا يكفي، وإنما العبرة بالعمل الذي يتبع العقيدة، والعلم الذي في القلب.