للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه)]

قال الشارح رحمه الله: [بيان أن هذا هو الشرك الأكبر].

آية الإسراء هي قوله جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٦ - ٥٧] وقد ذكر المؤلف رحمه الله ما روى أهل التفسير من أن هذه الآية نزلت في عيسى ابن مريم وأمه والعزير، وعيسى عليه السلام نبي كريم، بل هو من أولي العزم من الرسل، وأمه صديقة، وعزير نبي من الأنبياء، فمن الناس من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو العزير، ومنهم من يدعو مريم، ويدعونهم للشفاعة، وليس ذلك لأنهم ينزلون المطر، وينبتون النبات، ويحيون الموتى، لكن يدعونهم للشفاعة، ويطلبون منهم الشفاعة، ويقولون: اشفعوا لنا عند الله.

أخبر الله جل وعلا عن هؤلاء المدعوين أنهم يتسابقون بالخيرات، كل واحد منهم يجتهد في العمل الصالح لعله يكون أقرب إلى الله من الآخر، يعني: أنهم يتنافسون في فعل الطاعة، ويتسابقون بفعل الطاعات ليسبق كل واحد منهم الآخر، وكل واحد يريد أن يكون هو الأقرب إلى الله.

والمعنى أنهم فقراء ما يملكون شيئاً مما يدعون من أجله، بل هم عباد يدعون الله كما أنكم أنتم عباد تدعونهم وتدعون الله، فهم مثلكم، فتبين بهذا أن الدعوة وطلب الشفاعة عبادة يجب أن تكون موجهة إلى الله جل وعلا وحده.

والقول الثاني: أنها نزلت في قوم من الجن كانوا مشركين، وأناس من الإنس يدعونهم، فأسلم الجن والإنس لم يعلموا بذلك، فبقي الإنس على دعوتهم وشركهم، وقد أسلم الجن وصاروا يتقربون ويتسابقون إلى الله جل وعلا بالعبادة.

والمعنى واحد سواء نزلت في هؤلاء أو هؤلاء، وكل مدعو يدعى من دون الله فهو لا يستطيع كشف الضر الذي نزل بالداعي، ولا يستطيع تحويله من موضع من جسده إلى موضع آخر، لا يستطيع إزالته بالكلية، ولا يستطيع تخفيفه، والمعنى أنهم لا يملكون شيئاً مما يدعون من أجله، فتصبح دعوة الداعي سبهللاً ضائعة لا فائدة فيها، بل فيها الضر لأنها شرك يعود على الداعي بالضر، وهذا في كل مدعو من دون الله جل وعلا، وإن كانت الآية نزلت في قوم صالحين كما قال المؤلف سواء كانوا من الأنبياء أو كانوا من الجن الذين كان الإنس يعبدونهم قبل إسلامهم، قال الله جل وعلا: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦]، وسواء كان هذا أو هذا فكل مدعو من دون الله جل وعلا فإنه لا يملك نفع الداعي ولا يملك دفع الضر عنه، وإذا نزل به الضر ما يستطيع رفعه، ولا تخفيفه، ولا تحويله من مكان إلى آخر.