للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)

قال الشارح رحمه الله: [ومنها آية براءة بين فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلهاً واحداً مع أن تفسيره الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم].

الآية في أهل الكتاب من اليهود والنصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١] والأحبار هم العلماء، والرهبان هم العباد الذين يتعبدون لله جل وعلا.

وبين أن تفسيرها الواضح جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم، وفسرها بأنها طاعتهم في معصية الله، وكان عدي بن حاتم نصرانياً، فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية، فقال له: يا رسول الله! إننا لم نعبدهم، قال: (بلى، ألم يحرموا عليكم الحلال فحرمتموه، ويحلوا لكم الحرام فأحللتموه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم) فتبين بهذا أن طاعة المخلوق في معصية الخالق جل وعلا عبادة لذلك المخلوق، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله جل وعلا، فمن أطاع مخلوقاً في معصية الله وهو يعلم أنها معصية فقد اتخذه رباً كما في هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} [التوبة:٣١] والأرباب جمع رب، والرب معناه هنا: المعبود الذي يعبد ويتأله، فدل على أن الشرك يكون في الطاعة، وأن الطاعة يجب أن تكون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولمن أمر بطاعة الله وطاعة رسوله.

وأما إذا أمر المخلوق بمعصية الخالق جل وعلا فلا طاعة له، مهما كان سواء كان والداً أو غير والد، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله جل وعلا، فمن أطاع ذلك المخلوق في معصية الله، فقد اتخذه رباً من دون الله جل وعلا، وليس المعنى أنهم يعبدونهم بمعنى يصلون لهم ويسجدون لهم، لكن يكفي كونهم يطيعونهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، هذه هي عبادتهم.