للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمور الواجبة على من يتكلم بكلمة الإخلاص]

قال الشارح رحمه الله: [ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم (من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله) وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه.

فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها، ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع].

هذا أيضاً من الأمور التي توضح معنى لا إله إلا الله وتبينه، وذكر المؤلف رحمه الله خمسة أمور لا بد أن تجتمع فيمن يتكلم بهذه الكلمة حتى ينتفع بقول: لا إله إلا الله: الأمر الأول: النطق بها، لا بد أن ينطق ويتكلم بها، أما لو علم معناه واعتقده في قلبه، ولم يتلفظ بها، فإنه لا يعد مسلماً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، وفي رواية: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) لا بد من قولها، والله جل وعلا يقول: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:١٣٦]، والإيمان بالله جل وعلا هو عبادته، أن يعبد ويمتثل أمره، ويجتنب نهيه جل وعلا.

ثم مع النطق بها لا بد من معرفة معناها؛ لأنه لو تكلم بها وهو لا يعرف المعنى فإنه لا يفيده شيئاً، لا بد من معرفة أن معناها: نفي التأله عن غير الله، وإثبات التأله لله وحده، وأنه لا يجوز أن يكون شيء من التأله الذي هو العبادة لغير الله، فإن حصل تردد في هذا أو شك فإسلام الإنسان غير صحيح.

الأمر الثالث: الإقرار، أن يقر بذلك، والإقرار ضد الجحود، فإن الإنسان قد يكون قائلاً لها وعالماً بمعناها، ولكن يجحد ذلك تكبراً أو عناداً أو لأمور أخرى غير ذلك.

والأمر الرابع: أن يكفر بما يعبد من دون الله، والكفر بما يعبد من دون الله معناه: مفارقته وبغضه، وكراهته والتبري منه ومن عابده، هذا معناه كما قال الله جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦].

الأمر الخامس: الانقياد والتسليم، يسلم بذلك وينقاد، ولا يكون عنده تردد أو تضجر من هذا أو رغبة في غيره، بل يسلم وينقاد ويذعن لذلك ويغتبط به، يفرح به ويكون محباً لهذا، ويكون متيقناً بصحته، وأن النجاة لا تكون إلا بذلك.

فلابد من هذه الأمور حتى ينتفع الإنسان بهذه الكلمة العظيمة التي تفرق بين المؤمن والكافر، وهي التي أرسل بها الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهي التي من أجلها خلقت الجنة والنار، وهي التي عليها يثيب الله جل وعلا، ويعاقب على هذه الكلمة؛ ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أُمِر بقتال الناس حتى يقولوها، فإذا قالوها امتنع من قتالهم، وحرمت أموالهم ودماؤهم إلا بحقها، وحق هذه الكلمة كل واجب أوجبه الله جل وعلا على عباده؛ لأنها في الواقع هي الدين كله، فلهذا احتيج إلى إيضاحها لمن لا يعرفها، وإلا فهي واضحة وجلية، ولكن قد يكون الإنسان غافلاً أو يكون جاهلاً أو يكون في بيئة لا تساعده على معرفتها فيحتاج إلى بيانها له، وبيان معناها، وإيضاح ذلك، وهذا أمر حتمي، فواجب على من عرف ذلك أن يوضحه ويبينه، ويجب على من لا يعرفه أن يبحث عنه ويطلبه، ويطلب من يبين له ويوضحه، وهو -والحمد لله- واضح جلي من كتاب الله، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرته.