للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر)]

قال المصنف: [وقوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:٣٨]].

بعد ما أخبر الله عن الكفار أنهم إذا سئلوا: من خلق السماوات والأرض؟ فإنهم يقرون بأنه الله جل وعلا لا شريك له في ذلك، ولا معين له ولا مظاهر له في ذلك.

أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم من باب التقرير والتحدي وإبطال دعوتهم عن المدعوات التي يدعونها من الآلهة بأنواعها، وقد علم أن آلهتهم التي يدعونها مختلفة، منها: ما هو شجر، ومنها ما هو حجر، ومنها ما هو ميت مقبور، ومنها ما هو ملك من الملائكة، ومنها ما هو كوكب من الكواكب، ومنها ما هو نبي أو ولي من الأولياء، وكلها داخلة فيما أمر الله جل وعلا به نبيه أن يوجه السؤال إليهم، يقول: ((أَفَرَأَيْتُمْ)) أي: أخبروني عن هذه المدعوات التي تدعونها من دون الله، إن أرادني الله بضر، أي: بمرضٍ أو ألمٍ أو مصيبة أو غير ذلك؛ هل تستطيع أن ترد هذا وتمنعه؟! أو أرادني برحمة، أي: بخير وإحسان وصحة ونصر وتأييد وقوة وعزة وعلم وخير؛ هل تستطيع أن تمنع ذلك؟! الرسول صلى الله عليه وسلم وجه إليهم هذا السؤال فسكتوا؛ لأنهم يعلمون أنها لا تنفع ولا تدفع، وما استطاعوا أن يقولوا: نعم، بل علموا يقيناً أنها لا تنفع، وفي هذا إبطال دعواهم، فإذا كانت هذه المدعوات لا تنفع في منع البلاء، ولا تدفعه بعد حصوله، فأي فائدة في دعوتها؟! ثم أخبر أن الكافي والحسيب الذي يكفي عبده ويدفع عنه البلاء قبل وقوعه، ويرفعه عنه إذا وقع فيه هو الله وحده، وقد اعترفوا بهذا وأقروا به، اعترفوا بأن الذي يكشف الضر ويجيب المضطر هو الله وحده لا شريك له في ذلك، وبهذا تبطل دعوتهم ويبطل شركهم، ولكنهم يكابرون ويعاندون، ويأبون أن يتركوا ما هم عليه؛ لأنهم قد وجدوا آباءهم كذلك يفعلون، وليس لهم حجة إلا أنهم وجدوا آباءهم عليه، فضرهم تعظيم الآباء وتقليدهم، فمنعهم ذلك من قبول الحق واتباعه، هذا هو السبب فقط وإلا فقد تيقنوا أنها لا تنفع لا في دفع البلاء ولا في رفعه بعد حصوله.

والخيوط والخرز والتمائم شرك من أي نوع كانت، سواء كانت من فضة كما يفعلها بعض الناس، ويزعم أن فيها بركة، أو من نحاس وصفر كما يفعله بعض الناس ويزعم أنها تشفي من الروماتيزم أو أنها مثلاً تنفع من عين الإنسان، أو تنفع من إصابة الجن، أو ما أشبه ذلك كما يعتقده كثير من الجهلة، وهي سنة المشركين الذين كانوا يتعلقون بغير الله جل وعلا، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو داخل في هذه الآية؛ لأن هذه الآية عامة في كل ما فيه شيء من هذا المعنى من الدعوة أو الاعتقاد أو الادعاء، وإلا فهي لا تنفع في جلب شيء من الخير، ولا في دفع شيء من الشر، وأمرها في هذا ظاهر وواضح.

فتبين بهذا أن من فعل ذلك فإنه مشابه للمشركين في دعوتهم غير الله جل وعلا، وإن كان هذا ليس من الشرك الأكبر إذا اعتقد أن هذا مجرد سبب كما مضى، أما إذا اعتقد أن هذه المعلقات بنفسها تدفع وتمنع فإن هذا كالذي يدعو اللات والعزى فمكون مشركاً شركاً أكبر، ولكن هذا لا يحصل من عاقل ولا من مسلم، وإنما جهلة المسلمين قد يظنون أنها أسباب، أو فيها شيء من الخصائص جعلها الله فيها وما أشبه ذلك، ومع ذلك فهذا من الشرك الأصغر الذي يجب أن يجتنب، ويجب أن ينزه الإنسان دينه ويطهره من ذلك، وإلا فقد تعرض لعقاب الله جل وعلا، ويكون ذلك وسيلة إلى الشرك الأكبر، ويجب أن يعلق رجاءه وطلبه بالله وحده جل وعلا، وأن يتخلى عن كل مخلوق من مخلوقات الله جل وعلا، فهي لا نفع فيها، وإنما هي متعبدة أو مخلوقة للمنافع التي ينتفع بها فيما أباحه الله جل وعلا وأذن فيه.