للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى حديث: (انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً)

قال الشارح: [قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، قال: حدثنا المبارك عن الحسن قال: أخبرني عمران بن حصين رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة -قال: أراها من صفر- فقال: ويحك ما هذه؟ قال: من الواهنة، قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) ورواه ابن حبان في صحيحه فقال: (فإنك إن مت وكلت إليها)، والحاكم وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من عمران وقوله في الإسناد: أخبرني عمران يدل على ذلك.

قوله: عن عمران بن حصين أي: ابن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد - بنون وجيم - مصغر، صحابي ابن صحابي، أسلم عام خيبر ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة].

وكان من علماء الصحابة وأفاضلهم، والصحابة كلهم رضي الله عنهم فضلاء وعلماء؛ لأنهم تعلموا وتربوا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنالوا البركة من رؤيته وسماع كلامه، وكذلك امتثال أوامره؛ فلهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير قرون هذه الأمة، وأنه بعث في خير هذه الأمة، وحذر من الكلام فيهم أو سبهم، وأخبر أن أحداً لن يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه، ولو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ في ذلك مد أحدهم ولا نصيف المد.

وهذا تمثيل ومخاطبة لمن جاء بعدهم، فكيف بمن يأتي متأخراً ثم يحط من شأنهم وربما سبهم وذمهم؟! فهذا من الضلال الأكبر، ومن الخروج عن السنن التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعمران بن حصين رضي الله عنه كان ممن تسلم عليه الملائكة، فإنه رضوان الله عليه أصيب ببواسير، فاكتوى من أجل ذلك، فامتنعت الملائكة من التسليم عليه، ثم ترك الكي فعادت إلى السلام عليه، وقد أخبر بعض تلامذته بذلك وقال: لا تخبر بهذا حتى أموت.

وفضائل الصحابة وكراماتهم معروفة ومشهورة، ويجب على المسلم أن يحبهم ويتبعهم ويعرف قدرهم؛ لأنهم هم الوساطة بيننا وبين رسولنا في إبلاغ الدين، ونقل أحاديثه صلوات الله وسلامه عليه، فديننا أخذناه عنهم، وهم الذي بلغونا إياه عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.

قال الشارح: [قوله: (رأى رجلاً) في رواية الحاكم: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر فقال: ما هذه؟) الحديث، فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث.

قوله: (ما هذه؟) يحتمل أن الاستفهام للاستفصال عن سبب لبسها، ويحتمل أن يكون للإنكار، وهو أظهر.

قوله: (من الواهنة) قال أبو السعادات: الواهنة عرق يأخذ في المنكب واليد كلها فيرقى منها، وقيل هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء، وإنما نهى عنها؛ لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد.

قوله: (انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً) النزع هو الجذب بقوة، أخبر أنها لا تنفعه بل تضره وتزيده ضعفاً، وكذلك كل أمر نهي عنه فإنه لا ينفع غالباً، وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه].

وقد يكون الشيء المحرم فيه منفعة، ولكن ليس كل ما فيه منفعة يجوز استعماله أو فعله، وقد قال الله جل وعلا في الخمر والميسر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:٢١٩] فأخبر أن فيها من المنافع، ولكن الضر أكبر.

وهكذا المحرمات، قد ينتفع الزاني بالزنا وهو محرم، فليس كل شيء فيه نفع يجوز فعله، بل يجب أن يتبع الإنسان في ذلك شرع الله، فما أباحه الله جل وعلا وأذن فيه فعله، وما منع منه يجب أن يمتنع منه سواء كان فيه نفع أو ليس فيه نفع، والغالب أن ما نهى الله جل وعلا عنه ونهى عنه رسوله أن نفعه مستغرق في مضراته، وضره أعظم وأشد وأكثر.