للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تخريج الحديث وكلام العلماء في ألفاظه ومعناه]

قال الشارح: [الحديث الأول رواه الإمام أحمد كما قال المصنف ورواه أيضا أبو يعلى والحاكم وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي.

قوله: وفي رواية، أي: من حديث آخر رواه الإمام أحمد فقال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن أسلم قال: حدثنا يزيد بن أبي منصور عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة، وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله! بايعت تسعة وأمسكت عن هذا! فقال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: من تعلق تميمة فقد أشرك) وروى الحاكم نحوه ورواته ثقات.

قوله: عن عقبة بن عامر صحابي مشهور فقيه فاضل، ولي إمارة مصر لـ معاوية رضي الله عنه ثلاث سنين، ومات قريباً من الستين.

وقوله: (من تعلق تميمة) أي: علقها متعلقاً بها قلبه في طلب خير أو دفع شر، قال المنذري: خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهل وضلالة إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى.

وقال أبو السعادات: التمائم جمع تميمة، وهى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام.

وقوله: (فلا أتم الله له) دعاء عليه.

وقوله: (ومن تعلق ودعة)، الودع: بفتح الواو وسكون المهملة قال في مسند الفردوس: شيء يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين.

وقوله: (فلا ودع الله له) بتخفيف الدال أي: لا جعله في دعة وسكون، قال أبو السعادات: وهذا دعاء عليه].

التميمة مثل ما يكون من خرزات، بل من أي نوع كان، فإذا علق الشيء سواء من خرزات أو من حجر أو من نحاس أو من صفر أو من فضة وذهب أو غير ذلك، لهذا الغرض فإنه يكون تميمة.

وكذلك إذا كان فيه كتابة في ورق، أو في جلد، أو في خرقة، وما أشبه ذلك، وعلق فإنه تميمة، ولكن إذا كان هذا الذي علق من القرآن، أو من أسماء الله جل وعلا، والأدعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا فيه خلاف كما سيأتي، هل يجوز أو لا يجوز؟ من العلماء من جوزه، ومنهم -وهم الأكثر والجمهور- من منعه، وسيأتي ذكر الأدلة على ذلك والترجيح في هذا.

[قوله: وفي رواية: (من تعلق تميمة فقد أشرك) قال أبو السعادات: إنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه].

الواقع أنهم أرادوا الدفع مطلقاً، ولا يلزم أنهم أرادوا منع المقادير، وإنما أرادوا أن ينتفعوا بذلك، وأن يمتنع عنهم الشر، ويكون ذلك سبباً.

ومعلوم أنهم يعلمون أن الذي يقدر المقادير ويخلق هذه الأمور هو الله، ولكن يرون أن هذا سبب، والواقع أنه ليس سبباً، ولهذا خرجوا عن الأمر المعتدل الذي يدركون به مرادهم إلى عكس ما أرادوا من النفع، ووقعوا في الضر من ذلك، فهم أرادوا النفع مطلقاً والدفع مطلقاً.

أما إضافة رد المقادير فقد لا يخطر في بالهم مثل هذا، فإذا انضاف إليه فهو زيادة شر على شر؛ لأن ما قدره الله لا بد أن يقع، ولكن الإنسان لا يدري ماذا قدر له، فهو يفعل سبباً، والسبب الشرعي المباح مأمور بفعله، ولكن هذا ليس منه، هذا أمر محرم لا يجوز فعله.