للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب تسمية حذيفة بصاحب السر]

قال الشارح: [مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وحذيفة هو ابن اليمان، واسم اليمان: حسيل بمهملتين مصغراً، ويقال: حسل -بكسر ثم سكون- العبسي بالموحدة حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، ويقال له: صاحب السر، وأبوه أيضاً صحابي، مات حذيفة في أول خلافة علي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين].

سبب تسميته بصاحب السر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك كان معه منافقون في تلك الغزوة، وكانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان سائراً في الليل وأمامه عقبة، يعني: طريقاً في جبل سيسلكه، فقال للناس: إني ذاهب! فلا يذهب أحد في هذه العقبة، وذهب معه حذيفة وعمار بن ياسر، حذيفة يقود ناقته، وعمار يسوقها، فلما علم المنافقون أنه سيسلك هذا الطريق ذهبوا وكمنوا له في عرض جبل يريدون أن ينفروا ناقته به لعله يسقط في هذا الجبل فيموت، فلما سار وصار في أثناء العقبة نفذوا مؤامرتهم، فصار حذيفة يضرب وجوه رحائلهم، وخافوا أن يعرفهم فهربوا في الليل، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل عرفت القوم؟) قال: لا، القوم متلثمون، ولكن عرفت رحل فلان وفلان، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائهم، وقال: (هؤلاء منافقون، فلان وفلان وفلان وفلان) وصار يسرد عليه أسماءهم، ثم قال له: (لا تخبر أحداً).

فهذا سبب تسميته صاحب السر، فكان عمر رضي الله عنه وبعض الصحابة إذا مات الإنسان ينظرون إلى حذيفة: هل يصلي عليه؟ فإن صلى عليه صلوا عليه، وإن لم يصل عليه امتنعوا؛ لئلا يكون من الذين أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم منافقون، والله جل وعلا يقول: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:٨٤] أي: المنافقون.

وأما ما يقوله الصوفية من أنه أعطي السر اللدني، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه من الأسرار كما أعطي الخضر الشيء الذي لا يعرفه موسى، فهذا من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما سمي صاحب السر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبره بأسماء هؤلاء.

وجاء في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر إليه أموراً ستقع من الفتن، مثل كون المسلمين يقتلون خليفتهم، وما أشبه ذلك، وذكر أناساً سيتولون، ويكون في توليتهم شر على الإسلام والمسلمين، من تأخير الصلاة وغير ذلك.

جاء في بعض الآثار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً أخبره بهذا، ولكن هذا ليس خاصاً به، فقد أخبر به غير حذيفة، وأحاديث الفتن كثيرة منتشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين: أما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو أعلمتكم به لقطعتم هذا البلعوم، ويشير إلى حلقه) قيل: إنه يقصد بذلك أنه لو أخبرهم أنهم يقتلون خليفتهم لم يصدقوه وربما آذوه، فهذا منه.

والمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يخص هذه الأمور برجل بعينه، وإنما أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين.