للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تعليق القلادة إذا كان من أجل الدفع أو النفع]

قال المصنف: [في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً: ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت)].

كان أبو بشير رضي الله عنه -راوي هذه القصة- في مسير من مسيرات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسولاً كلفه بأن يعلم الناس ويبلغهم بألا يبقى في رقبة بعير قلادة -أو قال: قلادة من وتر- إلا قطعت وأزيلت، يعني: أن الراوي شك: هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: قلادة مطلقاً بدون قيد، أو أنها قيدت بأنها قلادة من وتر؟ وهذا سئل عنه الإمام مالك فقال: لا أعرف كراهتها إلا أن تكون من وتر؛ وذلك أن القلائد قد تتخذ للزينة، فقد توضع على البعير لأجل الزينة، وتكون من حبل أو من غير ذلك، وقد يوضع حبل في الرقبة حتى يمسك البعير به أو غير ذلك، فإذا كان لأجل ذلك فهذا لا مانع منه، ولهذا قال: إلا إذا كانت من وتر، فإنها تتخذ للاعتقاد.

والضابط في هذا: أن القلادة إذا وضعت في البعير، أو في غير البعير من آدمي وغيره، إن كان يرجى من وضعها نفع، أو دفع لما يتوقع من الضر، فلا يجوز وضعها مطلقاً من أي نوع كان؛ لأن هذا تعلق بغير الله جل وعلا.

أما إذا كانت للزينة أو لغرض بأن تقاد هذه الدابة به، أو أن يعلق على رقبتها حبلاً، حتى إذا احتيج إلى ربطها به، أو عقلها به صنع ذلك، فهذا لا بأس به.

فيكون المعنى أنها مقيدة بالوتر وبما أشبه ذلك مما يقصد به النفع أو الدفع، فإذا كان كذلك فهي ممنوعة، ويكون من نوع الشرك، وهو تعلق بغير الله؛ لأن هذا لا يمنع ولا يدفع، قلادة تعلق بالرقبة أو بغير ذلك أي فائدة فيها من دفع الضر أو منع وقوع الضر؟! ومن اعتقد أن الضر يرفع بعد وقوعه أو يدفع قبل وقوعه، فقد وقع في الشرك، فهو محرم من أي نوع كان من القلائد، هذا بالنسبة للقلادة وهي نوع من أنواع التمائم.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: باب ما جاء في الرقى والتمائم أي: من النهي وما ورد عن السلف في ذلك.

قوله: وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً: ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر -أو قلادة- إلا قطعت) هذا الحديث في الصحيحين.

قوله: (عن أبي بشير) بفتح أوله وكسر المعجمة، قيل: اسمه قيس بن عبيد قاله ابن سعد، وقال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم صحيح، وهو صحابي شهد الخندق، ومات بعد الستين، ويقال: إنه جاوز المائة.

قوله: (في بعض أسفاره) قال الحافظ: لم أقف على تعيينه.

قوله: (فأرسل رسولاً) هو زيد بن حارثة روى ذلك الحارث بن أبي أسامة في مسنده قاله الحافظ.

قوله: (ألا يبقين) بالمثناة التحتية والقاف المفتوحتين، وقلادة مرفوع على أنه فاعل، والوتر -بفتحتين- واحد أوتار القوس، وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره، وقلدوا به الدواب؛ اعتقاداً منهم أنه يدفع عن الدابة العين.

قوله: (أو قلادة إلا قطعت) معناه: أن الراوي شك هل قال شيخه: قلادة من وتر أو قال: قلادة وأطلق ولم يقيده؟ ويؤيد الأول ما روي عن مالك أنه سئل عن القلادة؟ فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر، ولـ أبى داود (ولا قلادة) بغير شك.

قال البغوي في شرح السنة: تأول مالك أمره عليه الصلاة والسلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم والقلائد، ويعلقون عليها العوذ، ويظنون أنها تعصمهم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئاً.

قال أبو عبيد: كانوا يقلدون الإبل الأوتار؛ لئلا تصيبها العين فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإزالتها؛ إعلاماً لهم بأن الأوتار لا ترد شيئاً، وكذا قال ابن الجوزي وغيره.

قال الحافظ: ويؤيده حديث عقبة بن عامر رفعه: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له) رواه أبو داود، وهى ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك انتهى].