للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب العباد تجاه الأوامر والنواهي الشرعية]

قال الشارح رحمه الله: [ومعنى الآية: أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته، فهذا هو الحكمة في خلقهم.

قلت: وهي الحكمة الشرعية الدينية، قال العماد بن كثير: وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور، وذلك هو حقيقة دين الإسلام؛ لأن معنى الإسلام: الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع.

انتهى.

].

هذا تعريف آخر للعبادة، عرفها ابن كثير رحمه الله بأنها طاعة الله بفعل المأمور وترك المحظور، طاعة الله بفعل ما أمر وترك ما حرم، والاستسلام له والانقياد في ذلك، ومعنى أن يستسلم الإنسان: ألا يكون عنده معارضة لشرع الله، وينقاد له، فلو دعي إلى شرع الله وقيل له: هذا حكم الله فعليه أن يقول: سمعت وأطعت، وكذلك لا يجوز له أن يعترض عليه ويقول: ليت هذا الحكم ما كان كذا، أو يقول -مثلاً-: ليت الله لم يحرم الربا، أو ليت الله لم يحرم كذا وكذا أو ليت الله فعل كذا وكذا، فإن هذا لا يجوز، وقائل هذا ليس عابداً في الواقع؛ لأنه اعترض على الله جل وعلا، وكذلك الذي يُدعى إلى أن يحكم بينه وبين من ينازعه بالشرع فيقول: لا، لن أذهب، أو يقال له -مثلاً-: نذهب إلى الشرع ليحكم بيننا، فيقول: لا لن أذهب، فهذا على خطر عظيم، والمسلم إذا دعي وقيل له: هلم إلى حكم الله، يقول: سمعت وأطعت، ولا يتأذى، ولا يقول: حتى تأتيني بجندي، بل ينقاد لشرع الله؛ فإن الله جل وعلا يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] يعني: لا يكون في نفس أحدهم ضيق من هذا الحكم، فإذا قيل له: هذا حكم الله، يقول: سمعاً وطاعة وأهلاً وسهلاً، وإن كان عليه يفرح به، فهذا الاستسلام والانقياد هو من العبادة؛ لأنه يطيع الله بأمره ويجتنب نهيه ويسلم لشرعه وينقاد له، وهذا هو العبادة في الواقع، فإذا حصل شيء مما يؤثر على ذلك نقصت عبادته.

قال الشارح رحمه الله: [وقال أيضاً في تفسير هذه الآية: ومعنى الآية أن الله خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء في جميع أحوالهم، وهو خالقهم ورازقهم.

وقال علي بن أبى طالب رضي الله عنه في الآية: (إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي)، وقال مجاهد: (إلا لآمرهم وأنهاهم)، اختاره الزجاج وشيخ الإسلام].

كل هذا الكلام معناه واحد، وقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (إلا لآمرهم وأنهاهم) أي: آمرهم بطاعتي وأنهاهم عن معصيتي، فهذا هو معنى العبادة، يعني: أنه خلقهم ليكلفهم بالعبادة، فمن أطاع فله الجزاء والثواب، ومن عصى فعليه العقاب.

فهذه أقوال السلف في الآية واضحة، فقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، يعني: خلقتهم لآمرهم بالطاعة وأنهاهم عن المعصية، وقد فعل جل وعلا الخلق وفعل الأمر والنهي، فعلى العباد فعل الامتثال.

والأمور ثلاثة: الأول: خلقهم، والثاني: أمرهم ونهيهم والثالث: الامتثال، فالامتثال عليهم وإليهم، فإن فعلوه وامتثلوا استحقوا الجزاء من الله، وإن أبوا وامتنعوا استحقوا العقاب، فالله خلقهم وأمرهم ونهاهم فعليهم أن يفعلوا الثالث الذي هو الامتثال.