للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل الإنسان مسير أم مخير؟]

وكثيراً ما يسأل الناس ويقولون: هل العبد مسير أم مخير؟ فالجواب عن هذا: أن هذا كلام مجمل، وبجملته باطل، فلا يجوز أن نقول: لا مسير ولا مخير، فإذا قلت: مسير فهو خطأ، وإن قلت: مخير على الإطلاق فهو خطأ، بل العبد عبد لله جل وعلا، جعل الله جل وعلا له قدرة وله اختيار، وكلفه بما يستطيعه، فقال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، ومع هذا ليس العبد حراً يفعل ما يشاء، وليس الأمر باختياره، بل يقول الله جل وعلا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠] يعني: لا يقع فعل من العبد إلا بإرادة الله ومشيئته، وإن كان بقدرته واختياره، وهذا من تمام قدرة الله جل وعلا أنه جعل هذا العبد يفعل ما كتبه الله جل وعلا عليه باختياره، وبهذا يتبين لدى العاقل أنه يجب عليه أن يفتقر إلى ربه، ويخضع له، ويذل له، ويسأله الهداية دائماً، ويظهر فقره إلى الله وذله وخضوعه؛ لأنه يعلم أنه لا غنى له عن ربه جل وعلا، وأنه إذا لم يهده ربه جل وعلا فليس له من غيره هادياً، ولهذا من فضله وكرمه وجوده فرض علينا أن نعبده بهذا السؤال في كل ركعة من ركعات الصلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، وإذا لم يهدنا ربنا فلا هداية لنا من أنفسنا، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧]، وكذلك أوجب علينا أن نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] يعني: أنه إذا لم تحصل لنا الإعانة منه جل وعلا على عبادته فإنها لا تقع، وهذه لابد منها، فأنت تعبد ربك وتستعين على عبادته به جل وعلا.

والخلاصة: أن الملك كله لله، والخلق كلهم لله يتصرف فيهم كيف يشاء، فيجب على العبد أن يعلم هذه الأمور ويعترف لله جل وعلا بها، ويعبده على ضوئها ذالاً خاضعاً مفتقرًا يُظهِر فقره، ويعلم أنه إذا لم يهده الله جل وعلا فإنه ضال، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم فقير إلا من أغنيته فاسألوني أعطكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته) إلى آخره.