للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع المتأخرين للمتقدمين سنة كونية]

[المسألة السادسة عشرة: الغضب عند التعليم.

المسألة السابعة عشرة: القاعدة الكلية لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنها السنن)].

قصده بالقاعدة الكلية أن الناس يتبع بعضهم بعضاً، وأن هذه سنة، ولهذا ذكر الله جل وعلا عن الأولين والآخرين أن الأنبياء إذا جاءوهم يدعونهم إلى عبادة الله جل وعلا وترك الشرك قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣]، وكذلك كل رسول يأتي قومه يردون عليه بهذا القول، وهذا لا يزال في الناس ولن يزال، فأنت -مثلاً- إذا وجدت إنساناً ودعوته إلى أمر لا يعرفه يقول: الناس على خلاف ما تقول، فقول هذا مثل قول أولئك، يعني: أنهم وجدوا الناس قبلهم يعملون هذه الأعمال فاتبعوهم، وحجتهم هي كما قال فرعون لموسى: {مَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [طه:٥١] يعني: لماذا لم يعملوا بما تقول، واتبعوا خلاف ما تقول؟! فهذه هي الحجة المطّردة عند الكفار كلهم.

وإبراهيم عليه السلام لما كسر الأصنام وجعلها جذاذاً، ثم علق الفأس في رقبة الكبير ولم يكسره؛ حتى يكون ذلك حجة عليهم، فلما قالوا: أنت فعلت هذا بآلهتنا؟ قال: كلا، بل الذي فعله كبيرهم هذا، فسألوهم إن كانوا ينطقون؟ فعند ذلك جاء دور العقل، فنظروا ورجعوا إلى أنفسهم فقالوا: الواقع أننا ظلمة! كيف نعبد هذه وهي لا تستطيع أن تدفع عن نفسها، ولا تنطق، ولا ترد كلاماً، ولا تخبر بمن فعل بها هذا الشيء؟! ثم نكسوا، وقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} [الأنبياء:٦٥]، فقال لهم: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء:٦٧] يعني: طلب منهم الحجة، كيف تعبدون هؤلاء؟ فجاء أتباع الآباء والتقليد فقالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:٧٤]، فهذه هي الحجة التي يملكون: (وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) وهل هذه حجة؟! هذه ليست حجة، وإن كانت حجة فهي حجة باطلة.

ولهذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة: (لا يكن أحدكم إمعة) يعني: إمعة مع الناس، فإن اهتدى الناس اهتدى، وإن ضل الناس ضل، بل عليه أن يستعمل عقله، ويستعمل الدليل، وينظر ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيتبعه.

هذا معنى قوله: إنها قضية عامة في الناس، يعني: أنهم يتبعون بعضهم بعضاً، وينظرون إلى الكثرة وإلى الإرث الذي توارثوه، والعادة التي اعتادوها فيتبعونها.