للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الذابح لغير الله ملعون]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن علي بن أبي طالب قال: (حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثاً، لعن الله من غيَّر منار الأرض) رواه مسلم].

يقول رحمه الله تعالى: (باب ما جاء في الذبح لغير الله)، يعني: ما جاء فيه من الآيات من كتاب الله، والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أنه من الشرك الأكبر الذي إذا مات عليه الإنسان مصراً على ذلك بغير توبة يكون من أهل النار، بل يكون خالداً فيها، ويكون من الذين قال الله جل وعلا فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧]؛لأنهم أشركوا بالله جل وعلا، والذين يقول الله جل وعلا فيهم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] فأخبر أن المشرك مقطوع يأسه من رحمة الله جل وعلا، وأنه إذا مات على الشرك فإنه يكون هذا جزاءه.

ووجه الدليل من الآيتين على أن الذبح لغير الله جل وعلا شرك واضح جلي؛ وذلك أن الله جل وعلا قرن بين الصلاة وبين النسك.

وقوله جل وعلا آمراً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) * (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) يعني: كونه يجعل العبادة كلها لله جل وعلا، ومنها: النسك الذي قرن بالصلاة، والنسك المقصود به: كل ما يذبح ويتقرب به، سواء تقرب بها إلى الله، أو إلى غيره فهي نسك.

وكون النسك قُرن بالصلاة يدل على عظمه عند الله جل وعلا؛ لأن الصلاة هي عماد الدين، وهي من أعظم ما يتقرب به عباد الله إليه، وقد جُعلت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لما فيها من العبادات المتنوعة، وأعظمها الإقبال على الله والخشوع له، وتوجيه الوجه إليه مقبلاً خاشعاً، ثم فيها الدعاء بنوعيه؛ لأن الدعاء يأتي على نوعين: دعاء مسألة، ودعاء عبادة، وكلاهما موجود في الصلاة، وكلاهما من أعظم العبادات التي أمر الله جل وعلا بها، كما قال جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠]، وقال جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} [البقرة:١٨٦] فالله جل وعلا يأمر رسوله أن يقول هذا، وأمته تبع له، فكل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون هذا دينه، والصلاة المقصود بها: كل صلاة يتعبد بها سواء كانت فريضة أو نفلاً، وفي أي وقت كانت، فالصلاة من أعظم العبادة، ولا يجوز أن تكون لغير الله جل وعلا، وكذلك الذبح قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:١٦٢] يعني: ذبيحتي الذي أذبحها لله جل وعلا.