للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الصلاة واللعن]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (لعن الله): اللعن: البعد عن مظان الرحمة ومواطنها قيل: واللعين والملعون من حقت عليه اللعنة، أو دعي عليه بها، قال أبو السعادات: أصل اللعن: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق: السب والدعاء.

قال شيخ الإسلام رحمه الله ما معناه: إن الله تعالى يلعن من استحق اللعنة بالقول، كما يصلي سبحانه على من استحق الصلاة من عباده قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:٤٣ - ٤٤] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} [الأحزاب:٦٤] وقال تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب:٦١].

والقرآن كلامه تعالى، أوحاه إلى جبريل عليه السلام، وبلغه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وجبريل سمعه منه، كما سيأتي في الصلاة إن شاء الله تعالى، فالصلاة ثناء الله تعالى كما تقدم، فالله تعالى هو المصلي وهو المثيب كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وعليه سلف الأمة، قال الإمام أحمد رحمه الله: (لم يزل الله متكلماً إذا شاء)].

يقول: إن الله يصلي كما أنه يلعن، ومعنى يصلي: أي: يثني، وصلاته جل وعلا هي: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما قال أبو العالية فيما ذكره البخاري في صحيحه، فالصلاة ضد اللعنة، فبعض عباد الله يكون قريباً إلى الله جل وعلا، متبعاً أوامره، مجتنباً نواهيه، مسارعاً في مرضاته، يحب ما يحبه، ويبغض ما يبغضه، ويحارب أعداءه، ويجاهد في سبيله.

فهؤلاء هم الذين يصلي عليهم الله جل وعلا، والله جل وعلا إذا صلى على عبده فمعنى ذلك: أنه رضي عنه، ويلزم من ذلك الرضا بفعله، وإلا فصلاته غير رضاه.

أما الصلاة من الخلق فهي الدعاء، وأصل الصلاة التي جاء بها الشرع هي الصلاة المعروفة التي تفتح بالتكبير، وتختتم بالتسليم، وتشتمل على القيام والقراءة والركوع وغير ذلك، وأصلها مأخوذ من الدعاء.

قال الله جل وعلا آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣] يعني: ادع لهم فهذا بالنسبة للخلق، ومعلوم أن الفعل يختلف بإضافته وصدوره من الخلق عما إذا صدر من الله جل وعلا، فالله جل وعلا له أفعال تخصه كما أن له صفات يختص بها، وعباده كذلك، وليس بين الله جل وعلا وبين خلقه مشابهة أو مماثلة، ولكن يجب أن يثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز التحريف أو التأويل الذي يخرج الكلام عن مراد المتكلم.

وهذا هو طريق أهل السنة، وهو الذي يجب اتباعه؛ لأنه هو الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج صحابته رضوان الله عليهم، وهذا الطريق من خالفه فقد خالف سبيل المؤمنين، ومن خالف سبيل المؤمنين، وسلك غير طريقهم فالله جل وعلا يوليه ما تولى، ويصليه جهنم.