للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (لا تقم فيه أبداً)

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله تعالى].

هذا من وسائل الشرك التي يجب أن تُمْنَعَ، وليس ذلك شركاً، ولكنه وسيلة قد توصل إلى الشرك، لأنه يكون فيه مشابهة المشركين، وفيه أيضاً بعث لمن كان يذبح في هذا المكان أن يذبح فيه.

والمؤلف رحمه الله تعالى أدرك أهل وقته الذين كانوا يذبحون للجن، ويجعلون مكاناً في البيت معيناً يذبح فيه للجن إذا أرادوا -مثلاً- أن يُخَلِّصُوْا من تلبس به الجني، والجن يتسلطون عليهم بذلك، وهذا من الشرك، فأراد أن ينبه على أنه لو قدر أن تاب الإنسان وأخلص دينه لله، وقد علم أن هذا المكان كان يذبح فيه لغير الله؛ فإنه لا يجوز الذبح فيه لأمرين: الأمر الأول: أنه وسيلة إلى الشرك.

الأمر الثاني: أنه مشابهة للمشركين.

واستدل على هذا بالنصوص التي سيذكرها من كتاب الله جل وعلا، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف: [وقوله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:١٠٨]].

هذه الآية نزلت في شأن مسجد ضرار، ومسجد ضرار مسجد بناه المنافقون الذين يريدون الصد عن سبيل الله، ومقاومة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قرب مسجد قباء، وكان هذا في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بأمر أبي عامر الفاسق الذي كان يسمى الراهب، فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم: الفاسق.

فجاء المنافقون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز للخروج إلى غزوة تبوك، فقالوا موهمين للنبي صلى الله عليه وسلم والناس أنهم يريدون خيراً: قد بنينا مسجداً للمريض أو لليلة المطيرة أو الباردة لئلا يشق عليهم الذهاب إلى مسجد قباء، فنريد أن تأتي إلينا فتصلي فيه، فقال: (نحن على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله).

فلما رجع من تبوك، وبقي بينه وبين المدينة يوم نزل القرآن في شأنه، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعض المؤمنين ممن كانت دورهم قريباً من هذا المسجد أن يذهبوا إليه ويحرقوه على من فيه، فذهبوا سراعاً فصار بعضهم يجمع الحطب، وبعضهم يأتي بالنيران فحرقوه، والله جل وعلا يقول: ((لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا)).

ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو قام فيه فإنما يقوم عابداً لله مخلصاً له جل وعلا، ومع ذلك نهاه أن يقوم فيه، فصار القياس أنه لو كان هناك مكان يذبح فيه لغير الله، فإنه لا يجوز للذي يذبح لله مخلصاً أن يذبح فيه لئلا يشابه أولئك، ولأنه صار مكان معصية، فالاستدلال بهذه الآية من باب القياس، وهو قياس واضح وجلي، حيث إن الله جل وعلا نهى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم في هذا المسجد الذي بني على الفساد، وعلى المضرة بالإسلام وأهله، فصار من معصية الله أن يقوم فيه وإن كان مصلياً لله.